بصراحة لم أكن أتوقع أو يخطر ببالي أن يكون هناك في الوجود فضلاً عن الوجدان شعبٌ عربي عريق مسماه نسبةً لأرضه " الأحواز " ابتلعته أمةٌ أخرى مسماة " إيران " ومحت ذكرهُ من التاريخ ومن الخارطة الجغرافية وأصبح مجرد ذكره مصدر رعبٍ وخوفٍ وارتعاش للسيقان والأذهان العربية .. لم أكن أتوقع أن تاريخنا فيه من المآسي ما تشيبُ منه الولدان وبصعوبةٍ قد يستسيغ العقل تصديقها، أمعقــول الأمة العربية التي تدُب فيها الحياة في هذا العالم المشهود يمكن أن تلتزم الصمت ! وتتغاضى ببساطة لا تخلو من الهَبل عن جـُزءٍ من جسدها وتاريخها وجغرافيتها لأمةٍ غيرها وبدون وجه حق تاريخيٍ أو مسوغ قانوني وهي لا تُحرك ساكناً وكأنَّ الأمر لا يعنيها..! والأدهى من ذلك والأمـرّ أن هذا الجُزء من الوطن العربي المُبتلع والمخفي قسراً عن التاريخ والحياة مازال أبناؤه يستنجدون بإخوانهم في العروبة والدين والإنسانية للمساعدة في إنقاذهم من الاحتلال الإيراني " الوقح " الذي ابتلعهم في غفلةٍ من الزمن، غير أنهُم لم يجدواْ آذاناً عربية أو إنسانية صاغيةً لهمُ أو على أقل تقدير تُعيرهم أيَّ اهتمام من أي نوعٍ كآن أو على أي مستوىً كآن ! فهُم بشر يسومهم المُحتل لتاريخهم وذاكرتهم وأرضهم سـوء العذاب، لا لشيء إلا لأنهُم ينشدونَ حُريتَهُم المسلوبة وتحرير أرضهُم العربية المغتصبة..ما الذي جرى للعرب ؟ كأنهم صمٌ عميٌ بُكمٌ ألا يعقلون ؟ ألا تُحركهُم وشائج الدين والقُربى ؟ ما الذي جرى لهم حتى يتخلون عن واجبهم ولو بالكلمات ؟ وجُـزءٍ خطير من جُغرافيتهم وتاريخهم محتلْ ؟ ما الذي جرى لهُم حتَّى يتخلواْ عن "الأحواز"؟! أرض العرب الأصيل الذي لا يُمكن أن ينسى التاريخ عروبتهم ولا إسلامهم ولا تأثيرهم على مجريات أحداث العالم ولم يخرجواْ من التاريخ كـ دولةٍ عربية إلا عام " 1925" حين احتلت إيران دولتهُم وأرضهُم الواقعة شمال الخليج العربي بتآمُر وتوطؤ بريطاني بعد أن اعتقلت الزعيم الأحوازي القائد البطل " خزعل بن جابر الكعبي " وأودعته السجن لتسوم بعد ذلك إيران المحتلة الشعب العربي الأحوازي سـوء العذاب وتُنكِّل بأهله وتسعى جاهدةً لإفنائه من أرضه وطمس معالم تاريخه وحضارته وارتكبت وترتكب فيه كُل يومٍ أبشع الجرائم بقصد تهجير من تبقّى حياً منهم قسراً والحد من نسله وفي كُل يوم يُعلَّق أبناؤهُ على أعواد المشانق وتُنتهك كُل حُرماتهم حتى بآت الشعب الوحيد في هذا العالم الذي لا حقوق له على كل المستويات الإنسانية ! وبرغم هذه العذابات وتلك وبرغم طـول الاحتلال إلا أنّ هذا الشعب الأصيـل مازال مُتشبثاً بعروبته مُنذ " ثمانين سنة " تقريباً وقدَّم في سبيل ذلك أروع الملاحم النضالية البطولية، حتى أصبح شبابهُ يُعرفون بأنهُم المُقَّبلون لحبال مشانقهِم قبل الشـنق .. لقد صنع الأحواز أكثـر من ثورة وقـدَّم الشهداء تِلو الشهداء على مرأى ومسمع من العالم المُتفرِّج عليهم بصمـت وكأن الأحواز لآ تمُتهم صلة لا بالعرب ولا بالعِرق البشري .. أو كأنهم جنسٌ مخلوق في غير كوكب الأرض.. وظُلم ذوي القُربى أشـدُّ من ظُلم وجبروت إيران ,نعم.. ظُلم العرب لإخوانهم العرب أشـدُّ من ظُلم إيران لهم وهل هُناك أشـدُّ من تجاهُل إخوانهم لهم وعدم اعترافهم بقضيتهم؟!.. لم نسمع من أحدٍ من العرب يتكلُّم عن " الأحواز " ودولتهم المبتلعة والمحتلة إلا مـا ندر على المستوى الشعبي، أما على المستوى السياسي فلم نسمع لهم ركزاً.. العارُ يلحقُ بنا من كُل جانب وكأننا لا نُريد أو هكذا بدا الأمر أن نسمعَ عنهُم خوفاً من تبعات سماعهم ومعرفة مآسيهم وكأنما نحنُ الذينَ كُتبت عليهم الذلة والمسكنة وليس بني إسرائيل ! حتى بتنا نخشى على أنفسنا من مُجرد ذكر مآسينا وبات خوفنا يُفقدنا الرُشـد ويجعلنا نتجاهل شعباً عربياً تبتلعهُ إيران بأكمله بدون غصة..
الأحواز يــا عرب ليست كـ الجُزر الإماراتية المحتلة ، إنها شمال الخليج العربي بــأكمله.. وبلُغة "كرة القدم" التي تفهمونها ولا تعرفون غيرها : الأحواز هي الجناح الأيسر للخليج .. والغريب أنَا هذا الجناح المُحتل مـِن أبدع وأجمـل ما خلق الله في الطبيعة وفيها "تسعون في المائة "من البترول الذي تستخرجُه "إيران" وتبيعهُ سُحتاً !.. الأحواز دولةٌ عربية احتلتها إيران والجامعة العربية " الله لا وفقها " ترفُض حتى مُجرد ذكر الأحواز وقـد ردَّ الأمين العالم السابق للجامعة "عمرو موسى " على الثوار الأحوازيين حين طلبواْ منه تبنِّي قضيتهم بالقول "مش لما نخلص من قضية فلسطين وبعدين نشوفكم "أي والله هكذا ردَّ عليهم.. "ابقى قابلني" كما يقول إخوننا المصريون إذا قدرت تحرِّك جُندي إسرائيلي واحد فضلاً عن تحريركَ فلسطين!!.. المُهم أنَّ الثوار الأحواز الآن تُمثلهم "ست إلى ثمان مُنظمات" على كل المستويات وهم في نضال التحرير مُستمرون ويجب أن نقف معهُم بكـل إمكانياتنا ويكفي إيران ما قد فعلتهُ بهم من جورٍ وبطشٍ يندى له جبين الإنسانية ! ولأنه كان العرب قد خنعوا أمام "الاحتلال الإيراني" للجُزر الإماراتية وجعلواْ هذه القضية حِكراً على الدول الخليجية، فلن ننهجَ ذاك المسلك ونغضُّ الطرف عن قضيتنا العادلة "قضية الأحواز"، على الأقل الأحوازيين قد لا يعترضون على اشتراكنا معهم في قضيتهم كما قد يعترض على ذلك إخوتنا الخليجيون بداعي أننا لسنا خليجيين ! ولن يُسيئوا الظَن بنا أو يعتبروننا مُجرَّد خطاب ود، فلا شيء يُغرينا فيهم سوى عدالة قضيتهم..
وفي الأخير أقول للأميـن العام للجامعة العربية: يا أستاذ نبيل العربي ..الأحواز شعبٌ عربي تحت الاحتلال ويجب أن تتبنَّى الجامعة قضيتهُم سياسياً على الأقل في كُل المحافل الدولية والفعاليات العربية ..هؤلاء عـرب يا عربــــي ! انظُر للتاريخ وللجغرافيا "صفحة المآسي درس نمرة ثلاثة بعد فلسطين مباشرة "، لا يُمكن لجامعتكم أن تظل مُلتزمة الصمت تجاه قضيةٍ عربية كـقضية الأحواز، خاصةً وأنهُ لا يوجـد بينهُم قاعدي واحد.. ولن يغمزكُم أو يلمزكُم أحدٌ سِوى "الآيات وبعض الدببة" كـ المُعتاد.. شوية شجاعة يـا نبيل العربي ..الأحواز عرب وتركهم لوحدهم يواجهون الاحتلال الإيراني وصمةُ عار في جبين الأمة العربية وتناقض في مفهوم القومية العربية التي ناضلت من أجله الأجيال أكثر من " ثمانين عاماً " والذي يجب تدوينهُ هاهُنا في هذا الموضوع والوقوف أمامهُ في هذه القضية " فالشيء بالشيء يُذكر".. إن الأحوازيين أغلبهُم "شيعة اثنى عشريه" وعشرة في المائة منهم فقط سُنة..غير أنَّ اشكاليتهم مع النظام الإيراني أنهُم لا يؤمنون بنظرية "ولاية الفقيه "ويُصرُّون أن يظل تشيُّعهم بعيداً عن هذه النظرية السياسية المشوبة ببعض الفقه التي تستهدفُ ربطهم وجوداً وعدماً بطهران وبالمُرشد ولذلك يلاقون من "الآيات" أشـد أنواع العذاب.. مكمن الاستغراب أن "الإثنا عشريه" في اليمن آمنت بنظرية "ولاية الفقيه" تلقائياً وارتبطت بطهران تديُّناً ونسيت يمنيتها نسبياً وعروبتها عرضياً في سنواتٍ عـدة بدون احتلال أو تعذيب أو إكراه..! في حين أنَّ الأحوازيين برغم كُل أنواع التعذيب والإكراه بعد الاحتلال، إلا أنهُم يرفضون نظرية الولاية ويُصرُّون على استقلاليتهم وعروبتهم .. وفي تصوري أن الإشكالية واضحة..ألا لعنةُ الله على الفقر والعوَز الذي يجعل من يعانون منهُ يُفرطون في كُل شيء حتَّى في الأوطان ! وقـد رُويَ عن الإمام "علي كرَّم الله وجهه" أنهُ قال: ( لو كان الفقر رجلاً لقتلته)، غيرَ أنَّ الحاصل " أن الفقر في اليمن حـلَّ في ألف ألـف ألف رجُل وكُل يومٍ يزيدون ألفاً والكُل يستثمره في كُل أسواق النخاسة "..!
للأحوازيين العرب ولقضيتهم كُل الإجلال والتقدير..وربيعُكم بإذن الله قادم ولا عُذر أمام الله لشعبٍ يدَّعي أنهُ مُسلم يستعبدُ شعباً بأكمله مُسلم ويحتلُّ أرضه ويُقتِّلُ أبنائه .. فـ الإسلامُ جاء ليُحرر الإنسان ويُكرِّمهُ لا ليستعبده ويُهينه .. هل يُمكن أن يفهم هذا "الآيات "؟! أم أنه حتى هذا المفهوم سيُرَحَّل إلى أن يخرُج الغائب المُنتظر؟!..
د/ عبدالله الحاضري
إلى نبيل العربي الأحواز..عربية 1845