لا يوجد شخص لا يحب وطنه ولا يهب للدفاع عنه في أوقات الشدة والدفاع عن الأرض وشرف الآباء والأجداد، والوقوف في وجه من يطمعون في خيرات الوطن وسرقة ثرواته قديماً وحديثاً، ولو تطلب منه تقديم نفسه فداءً لوطنه وقرباناً كي يبقى وطنه حراً متمسكاً بسيادته, ولقد سجل لنا التاريخ مئات الأبطال الذين قدموا أرواحهم وقدموا التضحيات الجسام في سبيل رفع شأن الوطن وأمته والحفاظ على سيادته واستقلاله وذلك بالرغم من أنه يعد عملاً بطولياً وشعوراً وطنياً, إلا أنه في الأصل يعد سلوكاً فطرياً جُبل عليه الإنسان منذ وجوده..
غير أن هناك في كل زمان ومكان من يرتضون لأنفسهم الإقدام على خيانة وطنهم وأمتهم وشعبهم وبيع ضمائرهم وتاريخهم الشخصي, إن كان لهم تاريخ وشخصية, لأطراف خارجية متربصة بالوطن أرضاً وإنساناً ويقدمون لهم الولاء تحت أي ذريعة كانت سياسية أو دنيوية أو عقدية أو مذهبية أو طائفية أو سلالية وغيرها، والذي يكون نتاجه اضطراب أمن الوطن وزعزعة استقراره وصولاً إلى سفك دماء أبناءه والعبث بالأرض التي تحتضنهم ويعيشون من خيراتها ويتنعمون بمقدراتها ويستظلون بسمائها لينالوا الخسران والعار والخجل في الحياة والآخرة.
مهما كانت شرعية مطالب الخائنين جماعات أو أفراداً ومهما كانت الأهداف والمقاصد التي تكمن وراء موالاتهم لطرف خارجي لاستمداد قوة أو مالٍ واستيراد أفكاره وسياساته ومعتقداته وصولاً إلى التمهيد لهم لاختراق سيادة البلد والتمكين لهم من تحقيق مطامعهم والعبث بأمن الوطن وفي الغالب تكون هذه الجماعات هي اليد العابثة والمنفذة لهذه الأجندة الخارجية, فإنه لا يحق لأي كان تغليب مصلحته الشخصية على حساب الوطن مهما كانت شرعية مطالبه, خصوصاً وأن بلادنا بلاد ديمقراطية ومتاح للجميع التعبير عن آراءهم بشكل قانوني والمطالبة بحقوقهم وصناعة التغيير وذلك مكفول لهم وسقفه يصل إلى أنه باستطاعتهم تغيير الرئيس والنظام دون الحاجة إلى اللجوء لأطراف خارجية واللعب معهم على حساب الوطن والمواطن, لأن ذاك يعد عمالة وخيانة للوطن.
إن خيانة الوطن جريمة لا تغتفر ومن يقدم عليها يستحق أقسى العقوبات، وخاصة من يضعون أياديهم في أيدي الفرس أو الروم أو الغرب أو الإرهابيين والعابثين المفسدين ويعينونهم على العبث بمقدرات بلدهم وترويع أهلها وإسالة الدماء الزكية في سبيل أفكار متطرفة منفصلة غايتها زعزعة أمن الوطن.. وكم رأينا وتعايشنا مع أناس وجماعات كهؤلاء وكم تضررت البلاد من شرورهم وكم سمعنا عن تصريحات الحكومة عنهم ودخولها في حروب معهم وإعلان خلايا تجسس هنا أوهناك دون اتخاذها العقاب اللازم وردعهم وبتر جذورهم كأقل واجب يقدم للوطن لأنها - الحكومة - في مكان المسؤولية.. ولذلك يتوجب تعيين قوانين صارمة تجاه كل خائن وعميل وجاسوس والشروع في التنفيذ والتطبيق العلني كإجراء عقابي لهم وردعاً لهم ولمن يفكر في انتهاج مسلكهم.
الوطن وأمنه ليس مسؤولية الحكومة فقط, بل مسؤوليتنا جميعا من خلال زرع بذور الحب والفداء والعطاء له والتضحية في سبيله وجعله نهجاً نربي أنفسنا عليه ويتربى عليه أبناؤنا, ولكن مهمة الحفاظ عليه مسؤولية تقع على عاتق الجهات المختصة التي وضعنا ثقتنا فيهم ونأمل أن نلمس التطبيق الفعلي لتحمل هذه المسؤولية من قبل حكومتنا حتى تحمي اليمن وتحافظ عليه وتنقذ ما تبقى إنقاذه وإلا فإن التفتت والتجزؤ الذي نحن فيه الآن سيتسع ويتطور وفوق ذلك سيتقوى ويصبح من الصعب السيطرة عليه وخسائره ستكون أعظم ولا يحمد عقباها لا سمح الله..
وأخيراً ليعلم الجميع أن مصير الخونة إلى زوال وثمن الخيانة كبير يجب أن يتحمله من باع ضميره ووجدانه وأدار ظهره للوطن والأمة.
صالح الحكمي
خيانة الوطن 1619