للنيابة العامة وحدها سلطة رفع الدعوى الجزائية بناء على الشكوى المرفوعة أمامها مباشرة أو الشكوى المحالة إليها مع محاضر جمع الاستدلالات من سلطات الضبط, ناهيك عن أنها ملزمة بتطبيق القوانين ذات العلاقة بعملها كقانون الإجراءات الجزائية والعقوبات, كما أنها مقيدة بتنفيذ نصوص القوانين ومشرفة على تطبيقها لاسيما وأنها نائبة عن المجتمع ومُنَاط بها حماية حقوق أفراده وفقاً للقانون والمقنن اليمني قد خصها بذلك وبِلزُوم التحقيق ورفع الدعوى الجزائية ضد المتهمين بالقتل والسرقة وشرب الخمر وقطع الطريق وغيرهم, هذا فضلاً عن رفعها فيما يتعلق بما تضمنه الفصل الثالث من قانون العقوبات اليمني تحت عنوان (أكل أموال الناس بالباطل) ومنها جريمة الاحتيال وجرائم الشيكات والغش وخيانة اليمن و(مطل الغني)... الخ.
والملاحظ أن النيابة العامة تؤدي دورها فيما ذكر آنفاً من الجرائم عدا بعض المواد ومنها النص المتعلق بجريمة (مطل الغني) المنصوص عليها في المادة (316) عقوبات: ( يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة أو بالغرامة كل من اقترض مالاً لأجل ولم يقم بسداده عند المطالبة بعد انقضاء الأجل مع قدرته على السداد) ومطل الغني يقصد به المدين الذي في ذمته دين مُوثّق بالكتابة بسند وحال الأداء ومعين المقدار, بَيْدَ أنه في كثير من الأحيان تجد المدين لا يفي بما في ذمته للدائن عند حلول الأجل, بل يظل يماطل كثيراً وبعضهم قد ينكر السند وربما ينكر توقيعه وبصمته وكم نشاهد في حياتنا اليومية من أمثال هؤلاء الذين يتنكرون لمن يسدل إليهم المعروف ويقرضهم عند الحاجة ويفك عليهم الضائقة ويزيل عنهم الهموم.. ولَمَّا كان القرآن الكريم قد أمر بكتابة الدَّين بقوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ ) وقانون العقوبات اليمني قد حدد طريقا استثنائيا لمطالبة المدين المماطل عن طريق النيابة بتقديم شكوى (مطل غني ) مرفق بها سند الدين باعتبار أن الواقعة جنائية كما أن قانون المرافعات هو الآخر قد حدد طريقا استثنائيا بطلب إصدار (أمر أداء) عن طريق المحكمة مباشرة.. ولما كان الناس في تعاملهم يحتاجون إلى بعضهم فيقترض بعضهم من البعض الآخر ما يحتاجونه من المال فإن المقنن اليمني قد اعتبر واقعة ( المطل) جريمة جنائية مستعجلة وحدد لها عقوبة في الحق العام بحبس سنة أو الغرامة للمماطل مع إلزامه بإعادة الدين الذي في ذمته ودفع أغرام الدائن ونفقات التقاضي, غير أن النيابة العام تتجاهل النص القانوني المتعلق بذلك ولا تجد من يعمل به ويطبقه من أعضاء النيابة إلا نادراً وكأنه قد ألغي من القانون والحقيقة انه نص قائم وملزم للنيابة, غير أن تجاهلها له ولغيره من النصوص يلحق بأفراد المجتمع أضرارا كبيرة مادية ومعنوية لاسيما وأنها تعتبر حامية له فكم من الدائنين قد تقدموا بشكواهم ضد مدينين أمامها, فيكون الرد من النيابة بالتأشيرة على الشكوى بما لفظه (هذا على المحكمة ).. ومثل هذه التأشيرة تجعل المجتمع يتساءل عن سببها: هل هو جهل بالقانون ؟ فان كان ذلك فهو عيب ونقصان, كما يتساءل آخرون هل هو اللا مبالاة بحقوق أفراد المجتمع ؟ وان كان كذلك فيعتبر اعتداء على القانون وإضاعة لحقوق أفراد المجتمع ونقصان بالمروءة, كون تجاهل النيابة للنص القانوني المذكور وعدم العمل به يجبر الدائن على التوجه إلى المحكمة المدنية لتقديم الدعوى أمامها فيظل ينازع المدين ويخاصمه لسنوات عديدة يتكبد خلالها أغرام ومخاسير ونفقات تقاضي لاسيما وان معظم أفراد المجتمع يجهلون حقوقهم بالمطالبة عن طريق النيابة أو عن طريق طلب إصدار أمر أداء المنصوص عليه في المادة (263) مرافعات ولو أن النيابة طبقت النص القانوني المتعلق (بمطل الغني)ورفعت الدعوى الجزائية ضد المدين الذي تُرفَع الشكوى ضده فان ذلك سيكون اقرب الطرق التي توصل الدائن إلى حقه في اقرب وقت وبأقل تكلفه بل ربما في بعض الأحيان يصل إلى حقه بمجرد طلب المدين عن طريق النيابة فيخاف من المسائلة الجنائية والحبس الاحتياطي فيبادر إلى تسديد الدائن ما يستحقه من الدين.
ولما كان الأمر ذلك كذلك فإننا نهيب بالإخوة والزملاء أعضاء النيابة العامة تطبيق القانون برمته كي يسعد الجميع بذلك.
أحمد محمد نعمان
النِّيَابَةُ العَامَّةُ وَالقَانُون 1-3 1813