من أهم قواعد اللعبة أن يتم إزاحة أحد المقاعد ليصبح عدد اللاعبين أكثر برقم واحد من عدد الكراسي ويبدأ العزف, ويدور الجميع في تنافس شريف محبب.. وفي لحظة مباغتة يتوقف العزف ويتسابق اللاعبون على الكراسي المتبقية ويجلس كل واحد على أول كرسي يستحوذ عليه وقد يتدافعون في سبيل الجلوس على الكرسي الوسط , لكنهم قلما يؤذون بعضهم البعض وفي النهاية يبقى أحدهم دون كرسي فينسحب من الملعب مبتسماً.. وتتكرر اللعبة حتى لا يبقى سوى كرسي واحد ولاعب فائز وحيد..
لعبة جميلة كلنا أحبها وتمتع بها في صغره , لكن هل مر بخلد أحدنا بأنه سيأتي من يلعب هذه اللعبة مع تغيير جذري لقواعدها، حيث لابد من إبقاء عدد كاف من الكراسي ولابد أن يبقى جميع اللاعبين في الساحة , وكلما يفعلونه لا يعدو كونه تغيير في مواقعهم !!
وسيوجد جمهور عريض يتابع هذه اللعبة السمجة باهتمام ظاناً بأنه سوف تأتي لحظة تعود فيها اللعبة لقواعدها الأصلية ويتعقل كل من لا يحصل على كرسي فيمضي من الساحة مبتسماً, خاصة أنه قد لعب كثيراً وبقي في الساحة لزمن طويل !
ولكن هؤلاء اللاعبون مختلفون وقواعدهم مختلفة وصراعهم لانهاية له, وثمة محكمون للعبة من الخارج يديرونها بحنكة وكيد شديد..
وتدور أحداث اللعبة بعد تغيير قوانينها, و اللاعبون رغم أنهم كبار لكنهم في كل دورة من دورات لعبهم يحدثون الكثير من الخراب حولهم , فكل واحد منهم مستعد لتحطيم كل شيء ليبقى في الساحة ويلعب, ولسان حاله ينطق بصلف مقزز: أنا.. ومن بعدي الطوفان..وقد يمد يده ليقذف بكرسي أحدهم بعيداً ويحطمه، فتزداد اللعبة ضراوة لأن ذاك الأخر لن ينسحب أبدا..ً
ويعلو من حولهم الغبار وتشرئب أعناق جمهور المتفرجين وهم يرون الغبار يتصاعد حول الحلبة , فيصعد سقف أمنياتهم: ربما سنتخلص من فلان فهو الأكثر مكراً وشراً وتعطشاً للدماء أو ربما سيختفي من اللعبة فلان الأكثر نهماً للمال وآااه ليته يكون فلاناً فهو الخائن الأعظم لنا..وينقشع الغبار ليكتشف الجمهور بأن الجميع مازالوا في الملعب وقد امتدت يد من قريب لتعيد ذلك الكرسي الذي تحطم منذ برهة للحلبة والجميع جلوس ومازالوا يلعبون , فتخيب أمال الجمهور المغلوب على أمره والمرغم على البقاء متفرجاً, وتستمر اللعبة وتسقط أركان الحياة الكريمة في هذه البقعة من الأرض تحت وقع صريف المتبارزين وتكبرهم تارة, واتفاقهم على وأد كل أسباب الكرامة للجمهور تارة أخرى, وتقاسم الغنائم وتجويع الشعب تارة ثالثة !!
ويتطلع أحد المتفرجين الحالمين للسماء يقلب خاطره في عالم من الخيال ويهمس لنفسه : ليت ذو القرنين يعود من جديد لنستنجد به: اجعل بيننا وبينهم سداً وخلصنا من شرورهم هؤلاء المفسدين !!
وتمر السنوات ثقالاً بخيبة الأمل، فذو القرنين لن يأتي من جديد أبداً.. وحالم أخر ينتظر لحظة يمل فيها هذا الجمهور من البقاء متفرجاً، فينزل للملعب نزولاً متجرداً ويفض هذه اللعبة المدوخة للجميع ويطرد الحكمين المتواطئين وينتزع الكراسي الصدئة من بطن الأرض الطيبة لتنقى وتترقى وليحيا على ظهرها حراً كريماً مستقلاً للأبد..
نبيلة الوليدي
ذو القرنين ولعبة الكراسي المتحركة !! 1694