;
د/ عبدالله الحاضري
د/ عبدالله الحاضري

ملامح نهايات الثورة السُّورية . 1747

2013-01-13 01:08:12


هي ثورةٌ ذات طبيعة ونسيجٍ خاص في مُقدماتها وفي نمط إيقاعها الثوري الذي مزجَ مابين فلسفة السلمية وقيَم حمل البُندقية ويبدو أنها ستكون مُتميزةً أيضاً في نهاياتها التي أعتقدُ أنها ستطول كـ ضرورة ثورية اقتضتها طبيعتها ومنهجيتها والمعطيات الفكرية التي يدور حولها أطراف الصراع في المنطقة برمتها وليسَ فقط في سوريا, وكلما طال أمد إيقاع المعركة الثورية بكُل مستوياتها كُل ما كانت تأثيراتها أعمق على العالم كله, بل لا أبالغ إن قُلت إن هذا التأثير المباشر وغير المباشر ما هو إلا المُرتكز الحتمي للتغيير النوعي الشامل على مستوى الحضارة البشرية.. فالمُحيط الجغرافي والمخزون الحضاري وطبيعة الأفكار الدافعة المعللة للثورة ونوعية القوى المشتركة فيها كُلها مُعطيات تُدلل وتُشير إلى المدى الكُلي والإستراتيجي لاتجاهات التغيير ومُجنباته ومحاوره التي ستطالها نتائج نهايات الثورة السورية وكأنما القدر شاء أن تكونَ هذه الثورة محضناً فاعلاً مُنتجاً لبدايات حضارة تبزغُ ملامحها في الآفاق مع الإيقاع الثوري وفي نفس الوقت هي أشبه ما تكون بثـُقبٍ أسود كوني يبتلعُ كُل الأفكار الميتة التي لم تعد صالحةً بعدَ تجربتها للبقاء كـمسوغ لفلسفة الوجود المدني, وبمعنى أدق هي المقبرة المفترضة الممكنة لتلكَ الأفكار التي لم تعد صالحةً للعيش بين الأحياء..
إن الثورة السورية ليست كأي ثورة تستهدفُ تغيير النظام السياسي أو النظام القانوني أو تستهدفُ تغيير الإنسان السوري فقط.. لقد اقتضت مشيئة الله بحسب إيقاعها أن تكون هي الأداة المُثلى لتغيير البشرية بتغيير مركز الجُهد الحضاري من الغرب إلى الشرق وتغيير الأفكار السائدة خطأً عن مفهوم القوة المادية كـمُقتضى وحيد للتغيير بمُعادلتها بمفهوم القيَم المعنوية ووضع تصوُّر مُجسد واضح أن القيم المادية مُتفردةً لا يُمكن أن تصمُد أمام توجُّهات التاريخ العامة المؤسسة على القيَم المعنوية والتي يصنعُها الله ويُنفذها الإنسان باختياره وإرادته مُضيفاً إليهما طاقته الحيوية..
لقد اقتضت المشيئة الربانية أن تكون سوريا الأرض والإنسان هي ستار لها في نمط التغيير على المستوى الكُلي وليس فقط على المستوى التكتيكي السوري وفي نفس الوقت أن تكون هي المحطة التاريخية الانتقالية على الُمستوى البشري ومن يظنُ أن سوريا وحدها قد تتحمَّل تكاليف وتبعات مُقتضيات هذا التغيير فهو واهم, العالم كله سيتحمَّل معها بالجُهد المادي والبشري والمعنوي مُختاراً أو مُلجأً وأضعف ما في هذا الإمكان هو التحمُّل القسري لسلبيات هذه المعركة كـحدٍ أدنى من درجات التحمُّل لكن يظل الشعب السوري هو الفاعل ومحور الارتكاز في هذا التغيُّر الشامل وأنَّ هذا الاختيار لمَصدر فخرٍ واعتزاز لهم إلى أن تقوم الساعة.. من يظنُّ أن الثورة السورية هي ثورة شعبٍ ضد نظامها السياسي فهو واهم.. إنها ثورة شعب ضد النظام العالمي المُتمثل بالقيم العلمانية والمبادئ الأخلاقية لمدرسة الحداثة وما بعد الحداثة وفلسفة القوة المادية والتصورات النسبية للمفهوم الاقتصادي وفقاً لقواعد "ادم سميث" و "د. ريكاردو " المصبوغة كُلها ببقايا إرث رسالات الأنبياء التي أوصلت العالم بعد تجرُبتها إلى حافة الإنهيار كـقدرٍ محتوم.. إنها ثورة شعب رفض بثورته من حيثُ لا يدري ابتداءً مُنتجات ومُخرجات النظام العالمي بكله, رفض الاستعباد والرَّق المُغلف بزينة قانون حقوق الإنسان, رفض قسمة البشرية على دول العالم الكُبرى والتي ترعى هذه القسمة "الأمم المتحدة" وتُقنن لها غاضةً الطرْف عن كُل معاناة تُصيب الإنسانية جراء هذه القسمة الظيزى, وأصبح مفهوم قيم الإنسان هو الغائب وهو المجهول الوحيد في هذه المنظمة.. إن الثورة السورية بفعلها الثوري المحدود بجغرافية سوريا تُغيِّر من حيث لا تشعُر مسيرة الإنسانية المعذبة التي كانت تتَّجه نحو الهاوية الكلية وها هي اليوم توقفُ مسيرة المجهول وتُعرَّي كل الأنظمة الاستبدادية وتجعل البشرية تُدرك حجم الكارثة التي كانت تسير إليها.. لقد دفع السوريونَ إلى تاريخ كتابة كلماتي هذه فقط "ستَّين ألف" قتيل ليوقظوا العالم من غفوته ويكشفواْ عن حجم زيف المُثل التي كانت تقوم عليها المدنية الغربية الحديثة ويكشفواْ زيف وعوار أدعياء أخوة الدين والدنيا وهشاشة المفهوم التاريخي "للعربية تجمعُنا" التي انصهرتْ أمام حرارة التغريب ولم تصمد أمام المصلحة السياسية إلا ما نـدر والنادرُ لا حُكم له في حياة الأمم والشعوب, مُتخليةً بذلك عن الإنسان السوري ليواجه لوحده كُل طُغيان العالم سواء المشارك في الفعل الإجرامي أو الساكت عنهُ أو الراضي به, فكُلهم في الإجرام مشتركون.. الثورة السورية مهما طال فعلها الثوري وتفرَّعت مُجنباتها لن تخمُد جذوتها, فهي قـدرُ الله ولا يُمكن لأي قوةٍ مهما كانت عظمتها أن تتحكَّم فيها أو أن تضع لها برنامجاً مُزمَّناً لمراحلها أو تضع لها تصوُّراً سياسياً للـحد منها جُغرافياً.. لقد وجِدتْ هذه الثورة لتنتصر وتُخلص البشرية من أوزارها ومن المُستنقع الرهيب الواقعة فيه وما إطالة زمنها إلا لتنضُج كـ مفهوم ثوري كُلي وتُصبح مزودة برصيد أخلاقي وفكري سَوي يؤهلُها للدخول في مرحلة التاريخ الإنساني الحضاري الجديد في الشرق.. ولكم أرثي لحال تلك القوى التي تحاول أن تقف أمام هذه الثورة بكُل طاقاتها ولكم هو مُزرٍ وحزين موقف "إيران" الذي أصبح محل تنـدُّر حتَّى من الأطفال لموقفها المُخزي من هذه الثورة ومن سُنة الله في هذا الكون.. ولكنَّ فكراً يؤمنُ بثُقبٍ يخرجُ منه مُخلِّص البشرية لن يؤمن بثورةٍ اختارها الله بحجم الثورة السورية.. أما روسيا التي جاهرت فيما مضى من الأيام بنظرية عدم وجود الله فكيف تؤمن بقدر الله! وكيف تُدرك أن الإنسان له قيمة ولا يجوز سفكَ دمه لمكسبٍ سياسي أو بداعي مراعاة مصلحة الأمة الروسية!.. فأنا على يقين أن مُكوِّن الموقف الروسي من الثورة لا يبعُد عن مُجرد الاستقطاب والمزايدة في أسواق وأروقة النخاسة السياسية العالمية.. سوريا الثورة ستنتصر حيـن يكتمل انتصارها للبشرية.. وإنَّ غداً لناظره قريب.
 
 

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

سيف محمد الحاضري

2024-10-14 03:09:27

القضاء المسيس ..

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد