الأزمة المالية وما أعقبها من ركود في الاقتصاد العالمي أظهرت أهمية ترابط الاقتصادات العربية ببعضها البعض في مجالات التجارة السلعية والخدمات, بما في ذلك تحويلات العاملين ودورها في تخفيف حدة التأثيرات السلبية للأزمات العالمية أو الصدمات الخارجية, وقت لا يزال الاقتصاد العالمي يشهد ظروفاً بالغة الصعوبة والتعقيد ناجمة عن الأزمة المالية العالمية التي لا تزال تداعياتها مائلة, والإفراط في الإقراض دون مراعاة لأدنى معايير السلامة المصرفية كان من أهم أسباب حدوث الأزمة المالية العالمية, وقد أظهرت الأزمة ضرورة إجراء إصلاحات فيما يتعلق بمعيار رأس المال والسيولة, حيث تركز هذه الإصلاحات على ضرورة أن يكون رأس المال أكثر تجديداً وشفافية وأن يكون قادراً على استيعاب أي خسائر فور حدوثها من خلال إلزامية تكوين احتياجات لحماية رأس مال إضافي مقابل العمليات التجارية وتكوين مخصصات لأخطار متوقعة أثناء الفورة الاقتصادية وفترات الانتعاش.
من أهم الدروس المستفادة من هذه الأزمة هو بروز الحاجة أكثر من أي وقت مضى إلى ضرورة إعادة النظر في أساليب الرقابة على القطاع المصرفي, تحديداً أسلوب إدارة المخاطر, من أجل معرفة مدى هشاشة هذا القطاع وهذا ما تعمل عليه حالياً المؤسسات الرقابية في العديد من الدول.
إن المؤشرات العامة للاقتصاد العالمي تتوقع حدوث أزمة عالمية جديدة خلال العام المقبل استناداً إلى توقعات تراجع الطلب على النفط في كل من الصين والهند والبرازيل مع تراجع الصادرات من هذه الدول.
أزمة الديون السيادية في منطقة اليورو لا تزال أكبر خطر يهدد الاقتصاد العالمي, وأزمة هذه الديون في الخفض المتوقع في عجز الميزانية الأميركية الذي يتضمن خفض الإنفاق ورفع الضرائب في 2013م والتباطؤ الحاد في الصين وغيرها من الاقتصادات الصاعدة الأخرى تدعم توقعات أزمة عالمية جديدة.
صندوق النقد العربي أكد أن التجارة العربية البينية لم تحقق الاندماج المرجو في التجارة العالمية رغم أن قيمتها تضاعفت أكثر من أربع مرات خلال العقد الماضي, وحصة الصادرات العربية غير النفطية لم تتغير خلال عقد من الزمن, حيث استقرت عند حوالي 2% في المتوسط.. عدم الاندماج في التجارة العالمية جعل فرص النمو الاقتصادي الناتج عن التصدير محدودة لزيادة فرص العمل في الاقتصادات العربية وارتفعت قيمة الصادرات العربية البينية "التجارة البينية" إلى "95" مليار دولار عام 2011م مقارنة بـ "77.7" مليار دولار عام 2010م بنمو نسبته 22% بعدما تأثرت سلباً بالتراجع في نمو الاقتصادات العربية في أعقاب الأزمة العالمية خلال عامي 2005م و 2009م.. رغم تطور القاعدة الإنتاجية في العديد من الدول العربية فقد بقيت حصة النفط والغاز الطبيعي تهيمن على الصادرات العربية الإجمالية وحتى الدول العربية التي لديها تنوع نسبي في الإنتاج والتصدير فقد ظلت تنتج وتصدر منتجات ذات قيمة مضافة متدنية وهي أيضاً تواجه منافسة حادة في الأسواق الرئيسية.. وبحسب التقرير الاقتصادي العربي الموحد لعام 2011 أدى ارتفاع قيمة الصادرات الإجمالية العربية بنسبة تفوق الزيادة في قيمة الصادرات البينية إلى تراجع حصة الصادرات البينية في الصادرات الإجمالية لتبلغ 8.6% عام 2010 وذلك بعد أن بلغت 10.6% في عام 2009م وكذلك الأمر بالنسبة لحصة الواردات البينية في الواردات الإجمالية التي تراجعت لتلبغ 11.8% بعد أن وصلت إلى 12.2% خلال الفترة نفسها البينية في الصادرات العربية الإجمالية.
إنه وبالرغم من التزام الدول العربية بإزالة التعرفة الجمركية بالكامل على جميع السلع المستوردة ذات المنشأ العربي.. تعتبر منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى إنجازاً مهماً في مسيرة الاندماج الاقتصادي العربي وذلك بالمقارنة مع المحاولات السابقة, بيد أن قائمة السلع الرئيسية في الصادرات الغربية البينية تشير إلى هيمنة المصنوعات الأساسية والبتروكيماويات والتي في معظمها سلع نصف مصنع "سلع وسيطة" لاستخدامها في صناعات تحويلية أخرى أو في أعمال البناء.. ورغم أهمية الصادرات البينية, إلا أن السياسات التجارية البينية هي الأخرى تشكل أحد العوائق أمام نجاح منطقة التجارة الحرة العربية والارتقاء بها إلى أداة فاعلة للاندماج الاقتصادي العربي ولم تتوصل الدول الأعضاء في المنطقة إلى اتفاق نهائي بشأن قواعد منشأ عربية شفافة وواضحة وهو ما يشكل عنصراً مهماً في تحفيز وتنمية التجارة والاستثمار.. كذلك تبقى الحواجز غير الجمركية من أهم العقبات لاستكمال منطقة التجارة الحرة العربية والتي تتسبب في أعباء إضافية للمتاجرة وتشكل قيوداً أمام نفاد المستثمرين والمنتجين العرب إلى أسواق الدول العربية والحواجز غير الجمركية ذات الطبيعة الإدارية لاتزال بحاجة إلى تقليص الفترات الأمنية لتخليص البضائع وتطوير أساليب التفتيش ومكافحة الفساد المتعلق بعمليات التخليص الجمركي.
التجارة البينية توفر للخدمات فرصاً وإمكانات هائلة لتحريك النمو وزيادة فرص العمل في الدول العربية, حيث يساعد التحرير على المستوى الإقليمي العربي على دعم صناعة الخدمات الناشئة من خلال المنافسة داخل حدود السوق الإقليمية وعلى مستوى أقل من السوق العالمية.
هامش:
1- الإتحاد الاقتصادي 5/12/2012م.
2- الإتحاد الاقتصادي 6/12/2012م.
3- الإتحاد الاقتصادي 12/12/2012م.
د.علي الفقيه
إجراءات رقابية ومصرفية متأخرة.. والتجارة البينية العربية لم تحقق اندماجاً مرجواً 1656