بعدما أخفقت القوى العلمانية أو ما تسمى بالقوى المدنية, كما يحلو لها في مصر, في إسقاط ما تبقى من المؤسسات الدستورية وفي مقدمة ذلك إسقاط الرئيس المنتخب محمد مرسي وتلقيها صفعة قوية وضربة قاضية من قبل الشعب المصري في معركة الدستور الذي زحف نحو صناديق الاقتراع وصوت بنعم للدستور الجديد بنسبة 64%, يبدو أن هذه القوى لم تفهم الدرس جيداً وما تزال تسعى جاهدة لإعادة الوضع في البلد إلى المربع الأول عبر تحالفها مع فلول النظام السابق وأدواته في مؤسسات القضاء لإسقاط شرعية النظام المنتخب ومؤسساته القائمة.. ولعل المؤتمر الصحفي الذي عقده أعضاء في المحكمة الدستورية مؤخراً وتشكيكه بشرعية الرئيس المنتخب والدستور الجديد وتوعدهم بمفاجأة خلال الأيام القادمة يشي بأن المؤامرة على مصر الثورة لن تتوقف بإقرار الدستور وانتخاب مجلس الشعب خاصة إذا ما أخذت هذه التهديدات المترافقة مع الطعن المقدم من عضو المحكمة تهاني الجبالي على محمل الجد.
أقول حينما فشلت ما تسمى بالقوى المدنية وإلى جانبها ماكينة الإعلام المضلل في الدفع بالشعب المصري لانتهاج العنف كخيار بديل للديمقراطية, فإنها تسعى اليوم لاستخدام أساليب ووسائل أخرى من شأنها تعزيز حالة الانقسام وإرباك المشهد السياسي وصرف اهتمام الحكومة إلى قضايا ثانوية على حساب مشاريع التنمية والنهوض بالاقتصاد.. ومن السخف أن تنشغل القنوات المصرية هذه الأيام بإثارة حفيظة المسيحيين الأقباط تجاه إخوانهم المسلمين وخاصة الإسلاميين من عدم مشاركتهم احتفالاتهم بأعياد السيد المسيح والترويج لفتاوى منسوبة لبعض التيارات الإسلامية تحرم معايدتهم وتهنئتهم بالعيد، ولأن المسيء يكاد يقول خذوني فقد اتضح أن جبهة الإنقاذ ومن خلفها فلول مبارك هي من تقف خلف هذا الشحن الطائفي, بدليل أن عدداً من رموزها توجهوا عشية أعياد الميلاد إلى الكنائس وهم أنفسهم من يتداول هذه الفتاوى في وسائل الإعلام بهدف شق صف المجتمع الذي ضل متماسكاً بمسلميه ومسيحييه على مدى قرون من الزمن.
إن تلقي الثورة المضادة في مصر صفعة قوية من قبل الشعب المصري لا يعني أن فلول النظام السابق ومن خلفهم بعض دول الإقليم سيرفعون الراية البيضاء وسيتركون الشعب المصري يقرر مصيره ويختار حاكمه عبر صناديق الاقتراع دون وصاية من أحد.. ألم تفتح إحدى هذه الدول خزينتها العامة لمعارضي الرئيس مرسي وتسخر قنواتها التلفزيونية للتحريض على إسقاطه والسماح لأحمد شفيق, أحد فلول النظام السابق, ليصول ويجول ويقود الثورة المضادة من داخل هذه الدولة؟ وما علاقة قائد شرطتها بالأمور السياسية والدعوة صراحة لإسقاط نظام دولة أخرى وإعلانه منح جائزة مقدارها 100ألف درهم إماراتي لمن يؤلف 100نكتة ضد الإخوان المسلمين؟ هل سيتجرأ قائد شرطة لمدينة ما في أي دولة من العالم أن يسيء إلى أي دولة شقيقة أو صديقة ويفسد علاقة حكومته بحكومة هذه الدولة إذا لم يكن لديه الضوء الأخضر من دولته التي شنت مؤخراً حملة اعتقالات واسعة بحق المقيمين المصريين ذكوراً وإناثاً على أراضيها بحجة التآمر على قلب نظام الحكم فيها؟.
وأنا هنا لست بصدد الدفاع عن الإخوان المسلمين أو في موقع النفي لهذه الاتهامات الموجهة لهم من هذه الدولة أو تلك بمحاولة تصدير الثورة واستنساخها, لأن الشعوب إذا أرادت التغيير فلن تنتظر الإشارة من أحد لا من الإخوان ولا من غيرهم, كما أن المبالغة بخطورة وصول الإسلاميين إلى الحكم لا مبرر لها لأنهم جزء من هذه الأمة وقد تعرضوا للأذى وعملية الإقصاء أكثر من غيرهم ودفعوا فاتورة الحرية باهظة عندما كانت هذه القوى التي تتدعي المدنية تسبح بحمد الحاكم وتتقلب في نعيم بلاطه, وعلى الإسلاميين أن يعوا بأن من أوصلهم اليوم إلى الحكم قد لا يوصلهم غداً إذا لم يحققوا طموحه في الحرية والعدالة والمساواة والعيش الكريم.
عبد العليم الحاج
مصر والثورة المضادة 1677