منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أصدرت تقارير تشير إلى انخفاض الصادرات خلال الربع الثاني من عام2012م في كل من بريطانيا والهند بنسبة 4% وفي روسيا وجنوب أفريقيا بنحو 8%، لما تتعرض دول منطقة اليورو المفتوحة مثل إيرلندا وبلجيكا للمخاطر أيضاً، وسبب التراجع التجاري يعود إلى حالة الركود التي يعاني منها اقتصاد العالم ككل وحيث أن الصادرات هي عبارة عن عمليات بيع للأجانب فإنها تضعف عند احجام هؤلاء عن الشراء، كما يعني ذلك ضرورة رصد التجارة في كثير من الأحيان للناتج المحلي الإجمالي العالمي بدقة كبيرة وبتفصيل أكثر نجد أن نماذج التجارة تطابق الثروات الاقتصادية أيضاً، ومنذ العام الماضي تراجعت الصادرات إلى دول الاتحاد الأوروبي المتعثرة بنحو 4.5% في حين ارتفعت واردات دول الشرق الأوسط الغنية بالنفط بنسبة 7.4%.
وإذا كان الاقتصاد العالمي هو المعيار الوحيد الذي يقاس به الأداء التجاري فإن زيادة الناتج العالمي تعني تلقائياً انتعاش القطاع التجاري ويتوقع صندوق النقد الدولي مثلاً نمو التجارة بنحو 5.1% في العام المقبل بفضل القوة التي يكتسبها الاقتصاد العالمي، وفي العموم حققت التجارة نمواً بوتيرة أسرع من الناتج المحلي الإجمالي خلال السنوات القليلة الماضية، حيث ارتفعت من 22% إلى 33% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، خلال الفترة بين 1996م إلى 2008م، كما أن تراجعها خلال العام2012م كان أكثر وضوحاً من الاقتصاد العالمي الشيء الذي يستجلب عوامل أخرى غير تلك الخاصة بوتيرة النمو العالمي.
ومن هذه العوامل عدم توفر التمويل التجاري، حيث من المعلوم أن الأعمال التجارية ذات النشاطات العالمية تعتمد بشدة على البنوك، وإذ تم الأخذ بالاعتبار قطاع الصادرات نجد أنه وفور شراء المواد الخام والمدخلات الأخرى يترتب على الشركات تجهيز منتجاتها قبل تصديرها إلى البلد المعني وربما يتم تسليم هذه المنتجات للمشتري النهائي قبل استلام قيمتها النقدية وينتج عن ذلك فراغ بين التكاليف الناتجة والعائدات المتحصلة الفجوة التي يمكن جرها من خلال القروض التجارية قصيرة الأجل وتلعب البنوك الأوروبية دوراً أساسياً في عمليات التمويل التجاري، فقد شكلت البنوك الكبيرة في منطقة اليورو 36% من تمويل التجارة العالمية في عام2011م وتوفر البنوك الأسبانية والفرنسية وحدها 40% من عمليات الائتمان التجاري المقدمة لأمريكا اللاتينية وآسيا، لكن بدأت بنوك منطقة اليورو في خفض معدل عمليات التمويل التجاري، ومن بين الأسباب التي دعت إلى هذا التراجع أن مزاولة نشاط التجارة العالمية يتم بالدولار في وقت تجد فيه بنوك منطقة اليورو المتعثرة صعوبة في الحصول على السيولة بالدولار، كما أن هناك حاجة للبنوك الأوروبية لخفض ميزانياتها وعمليات تمويلها التجاري، وتواجه العديد من البنوك الضغوطات بفرض تركيز نشاطاتها على الأسواق المحلية، وبدأت تشكل الحمائية المتزايدة كذلك عبئاً على عاتق التجارة وفي المراحل الأولية من هذه الأزمة كانت الحمائية من الأشياء التي لا يتخوف العالم منها، خاصة وأنه تعلم من دروس ثلاثينات القرن الماضي القاضية بتفادي الحروب التجارية مهما كانت التكلفة، لكن بلغت الدعاوى التجارية الجديدة مستوى مثيراً للقلق، حيث تشترك الأرجنتين في عدد منها بينما تخوض أميركا والصين والهند في خلافات تتعلق بالحديد، لكن وحتى في حالة إمكانية تفادي جولة جديدة من الحمائية فإن طموحات المزيد من تحرير التجارة محدودة للغاية، وأصبحت جولة مفاوضات التجارة العالمية التي جرت في الدوحة قبل 11عاماً والتي كان من الممكن على ضوئها إضافة 5% للناتج المحلي الإجمالي العالمي سنوياً من خلال فتح أسواق جديدة بمثابة الميتة، لكن تتعلق الآمال في إحياء أكثر العناصر الواعدة في تلك الجولة في اتفاقية جديدة.
هامش:
• الاتحاد الاقتصادي 3/12/2012م
• الاتحاد الاقتصادي 1/12/2012م
د.علي الفقيه
ركود التجارة الدولية بفعل الأزمة الاقتصادية 1656