ضوابط في الفتن
ما زالت بلادنا اليمنية تعصف بها فتن وأزمات وتحديات كثيرة تهددها في أمنها واستقرارها وتهدد الناس في حقوقهم ومصالحهم ودمائهم وأموالهم وأعراضهم .
وتأتي خطورة الفتن من جهة اشتباهها حتى لا يكاد الكثير من الناس يميزون فيها بين الحق والباطل
والخير من الشر و ربما التبست أيضاً على بعض العقلاء والفضلاء وهو معنى قوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم"بادروا بالأعمال فتناً كقطع الليل المظلم تجعل الحليم حيران" وفي حديث آخر عند مسلم أيضاً :"تموج كموج البحر " مما يدل على خفائها وخطورتها واتساع دائرتها لعامل سكوت المصلحين عنها ـ وهي حيادية وسلبية مفرطة ـ كما أنها لا تنحصر أضرارها في أهلها الخائضين فيها والموقدين لنارها وأوراها بل تطال عموم الناس كما قال تعالى ( واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة.
أرى خلل الرماد وميض نـار * وأخشى أن يكون لها ضرام
فـإن لـم يطـفها عــقلاء قــومٍ * يكــون رمـادها جثث وهـــام
فـإن النـار بالعـوديـن تذكــى * وإن الحــرب مبـدؤهـا كــلام
فقلت من التعجب ليت شعري * أأيقــاظ أمـيـــة أم نيــــــــام؟
والمتأمل يدرك أن المشكلات اليمنية الداخلية ومنها القضية الحوثية والجنوبية ومشكلات فلول الأنظمة والقاعدة وحدة التفرق والتنازع الحزبي والسياسي والانفلات الأمني والأزمة الاقتصادية ونحوها أعظم من الأخطار الخارجية ويدل عليه ما رواه مسلم عن ثوبان مرفوعاً :( وإن ربي أعطاني أن لا يهلك أمتي بسنة عامة ( قحط وجدب و مجاعة ) وأن لا يسلط عليهم عدواً من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم ولو اجتمع عليه من بأقطارها حتى يكون بعضهم يهلك بعضاً ويسبي بعضهم بعضاً).
فلا فتنة أعظم من أن تراق دماء المسلمين بأيديهم فيكون بأسها من داخلها وبين أبنائه. وفي تاريخنا الإسلامي وواقعنا أحوال وأهوال وكرب عظيم و بلاء مبين ولا بأس أن تختلف مواقف الناس في الفتن والتعامل معها في حدود مواضع الاجتهاد والمتغيرات لكن البأس كل البأس في الخوض فيها بغير اعتبار للضوابط والثوابت الشرعية والأخلاقية فيها والتي هي محل اتفاق وإجماع بين العلماء والعقلاء ويمكن إجمالها في الآتي:-
(1) اعتبار مكارم الأخلاق الإسلامية والتي تتأكد عند الفتن كالتحلي بالصبر والصدق والعفو والحلم والرفق وحسن الظن والعدل، ونبذ أخلاق الحسد والحقد والظلم والعصبيات الجاهلية السياسية والقبلية قال تعالى: ( ولا يجرمنكم شنآن قوم على أن لا تعدلوا) وقال سبحانه :( وما تفرقوا إلا بعد ما جاءهم العلم بغياً بينهم) والبغي هو الحسد والعدوان وحب الرئاسة.
وما أجمل قول بعض السلف:( لأن أكون ذنباٍ في الحق أحب إلي من أن أكون رأساً في الباطل).
حب الرئاسة أطغى من على الأرض حتى بغى بعضهم على بعض
وقال صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم :( واتقوا الشح فإن الشح أهلك من كان قبلكم حملهم على أن سفكوا دمائهم واستحلوا محارمهم) وصح عند أحمد والترمذي(إن لكل أمة فتنة وفتنة أمتي المال).
(2) اعتبار مرجعية الشريعة في تبني المفاهيم والمواقف السياسية وغيرها، ونبذ القوانين الوضعية والمناهج العلمانية التي تفصل الدين عن السياسة والحياة قال تعالى: ( وأن أحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم) . بما تضمنه الشريعة من أداء الأمانة وإقامة العدل في كافة مجالات الحياة .
(3) اعتبار مرجعية أهل الذكر من أهل العلم الشرعي العميق والوعي السياسي الدقيق من أهل القوة والكفاءة والأمانة ( فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) الحريصين على مصالح الدين والأوطان والشعوب المقدمين لها على مصالحهم الصغيرة ومشاريعهم الضيقة ( اتبعوا من لا يسألكم أجراً وهم مهتدون.
(4) والحذر من إتباع مرجعيات منحرفة فكريا وسياسيا:(قبل الساعة سنوات خداعة يصدق فيها الكاذب ويكذب فيها الصادق ويخون فيها الأمين ويؤتمن الخائن وينطق فيها الرويبضة وهو الرجل السفيه وفي رواية التافه يتكلم في أمر العامة )أي في أمورهم العامة وصححه الألباني والوادعي. وفي الترمذي عن ثوبان قال صلى الله عليه وسلم :إن أخوف ما أخاف عن أمتي الأئمة المضلين.
(5) أن تتبنى الأطراف المتنازعة (ميثاق شرف) يضمن المحافظة على المبادئ والحقوق والحريات العامة الشرعية والكرامة الإنسانية وتعظيم ما تواترت عليه النصوص في تحريم الدماء والأموال والأعراض ، واعتبار ثقافة الحوار وأدب الخلاف والقبول بالآخر والتعايش السلمي ونبذ سياسة العنف والإقصاء وتسخير ( البلاطجة) لإثارة أعمال الفوضى والإفساد والتخريب.
(6) أن يسهم الجميع في مواجهة الفتن علمياً وعملياً بإحياء واجب الإصلاح والتغيير والتعليم والدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتفعيل الهيئات العلمية والخيرية والشعبية لمواجهة التحديات والفتن.
( وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون)
اللهم جنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن واستر عوراتنا وآمن روعاتنا يا رب العالمين ،،،
رئيس رابطة علماء ودعاة عدن
الشيخ/ عمار بن ناشر
حتى لا تكون فتنة! 2066