حضرت مؤخراً لقاءً جمع الرئيس/ عبدربه منصور هادي بمجموعة من القيادات الشبابية والمجتمعية وقد تركز اهتمامي كأي صحافي على حديث الرئيس عن المشكلات والتحديات التي مازالت تواجه اليمن والمتناثرة على مساحة البلاد من شمالها إلى جنوبها ومن شرقها إلى غربها وكذا طبيعة السياسات والتوجهات الاستراتيجية والمرحلية التي تتحرك في نطاقها مؤسسة الرئاسة في مجابهة ارهاصات وتعقيدات هذا الواقع المثقل بالاحتقانات والأزمات المتداخلة والمتشابكة والتي وإن لم يتم القضاء على أسبابها فإنها التي قد تتحول إلى معضلات حقيقية يصعب حلحلة تعقيداتها ومعالجة آثارها الكارثية.
وبمجرد أن بدأ الرئيس حديثه للحاضرين في ذلك اللقاء, فقد وجدت نفسي أمام شخصية تمارس السياسة والعمل العام وفق منظور تغلب عليه الشفافية الخالصة والوضوح والصراحة المتناهية, بغض النظر عما قد تتسبب به تلك الصراحة والشفافية من انزعاج للبعض وبالذات ونحن من تعودنا في العالم العربي على أن من يتربعون كراسي الحكم يحرصون في الغالب على إخفاء الكثير من الحقائق عن شعوبهم لعوامل وأسباب مازلنا حتى اللحظة نجهلها.
إذاً إنه وعلى غير هذه العادة, فقد جاء حديث الرئيس هادي الذى دفع به القدر لتولي قيادة اليمن في مرحلة هي من أصعب المراحل على الإطلاق مشفوعاً بتشخيص دقيق للأوجاع والأمراض المستعصية التي يعاني منها الواقع اليمني في الوقت الراهن والمتوارثة من حقب مختلفة وهو ما أسهم في تحويل المجتمع اليمني إلى مجموعة من الجبهات المتنازعة واقتضى من مؤسسة الرئاسة العمل على محورين أساسيين- الأول: السعي الجاد إلى تقليص المسافات المتباعدة بين هذه الجبهات ودفعها إلى إنهاء قواعد (الاشتباك) المتوارثة عن الحقب الماضية.. والثاني: التأسيس لمرحلة جديدة تدفع بجميع اليمنيين إلى الالتفاف حول مشروع وطني نهضوي واسع ومتكامل تسقط أمامه كل المشاريع الصغيرة والطموحات الفردية والذاتية غير القابلة للحياة في إطار المنظومة الأشمل.
وفي هذا الجانب كنت ومازلت اعتقد بان الرئيس هادي قد نجح في النأي بمؤسسة الرئاسة عن تأثيرات تلك الجبهات ليقدم نفسه كرئيس لكل اليمنيين وانه على مسافة واحدة من الجميع سواء من يتفق معه أو يختلف وهذه (الكارزمية) هي من ساعدته ولا شك على تخطي الكثير من المصاعب والمعوقات التى كانت تقف في طريقه, بل إنها التي مكنته من الانتقال في فترة وجيزة من عملية التشخيص إلى مباشرة إجراءات العلاج والتي بدأت فعلياً بتشكيل لجنة الاعداد والتحضير لمؤتمرالحوار الوطني والبدء باعادة هيكلة القوات المسلحة والأمن ودعوة اليمنيين جميعاً إلى تجاوز أخطاء وسلبيات الماضي والتوقف عن نبش ماَسي ذلك الماضي والتنقيب في دفاتره وتقليب صفحاته المثخنة بالآلام والروح الانتقامية والعدائية والنظر إلى المستقبل بعقول صافية وقلوب بيضاء ومتسامحة ونقية من كل الاحقاد القديمة.
لقد أدرك الرئيس هادي منذ اللحظة الأولى لتوليه مسئولية القيادة عقب العاصفة التي اجتاحت اليمن وعدداً من الأقطار العربية مطلع عام 2011م, أن اليمن ليس كتونس أو مصر, فالدولة في البلدين أكثر رسوخاً وتماسكاً من نظيرتها في اليمن, كما أن المجتمع اليمني بتركيبته القبلية هو أكثر تعقيداً من أشقائه في تونس ومصر وانه ولكي يستطيع اختراق تلك التعقيدات فإن عليه التحلي بعقلية الطبيب الماهر الحريص على أن يكون المشرط الذى يستخدمه في معالجة اعتلالات الواقع معقماً ونظيفاً من أي تلوث قد يؤدي إلى مضاعفة تلك الاعتلالات في جسد الوطن بدلاً من شفائه واستعادته لعافيته.
وعليه فإذا كان الرئيس هادي مطالباً اليوم بالحفاظ على ماتم تحقيقه من نجاح في مسار التغيير السلمي وانجاز ما تبقى من تطبيق المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية فإن الحاجة تستدعي منه حث الحكومة في العام الميلادي الجديد على التفرغ كلياً لانعاش القطاعين التنموي والاقتصادي والبدء في إعادة إعمار ما تخرب خلال فترة الأزمة السياسية وتبني خطة واضحة وصارمة يجري من خلالها التصدي للاختلالات الأمنية وإنهاء كل المظاهر العابثة باستقرار البلاد والعباد.. كما تبرز هنا خطوات هامة أخرى تتعلق بالجهد الذي ينبغي أن يبذل من لدن الحكومة من أجل ضبط الأداء الوظيفي والإداري في مؤسسات وأجهزة الدولة المختلفة والتي حان الوقت لكي تعود ممارسة دورها في خدمة المواطنين وحل قضاياهم بعيداً عن حالة الانفلات والتسيب واللامبالاة التي صارت مصدر شكوى للجميع.
ومع التقدير الكبير للصلابة التي أبداها الرئيس هادي ومواقفه المتزنة والمتوازنة التي أثبتت حكمة بالغة, فإننا نرى أن توجيهاً منه بهذا المعنى سيجنب البلاد أزمة جديدة بدأت نذرها تلوح بين أوساط الناس الذين يشعرون بأنه من غير المعقول أن تبقى الدولة بأكملها رهينة لقضايا التسوية السياسية في مرحلة انتقالية تمتد إلى سنتين كاملتين.. وما يحدث اليوم في بلدان الربيع العربي من تململ شعبي وبحث عن الذات أمر يلفت الانتباه ويستحق التأمل!!.
علي ناجي الرعوي
الرئيس هادي.. ومسارات (انتقال) اليمن!! 1641