لم تمض سوى سنتين على اندلاع ثورات الربيع العربي في تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا حتى ظهرت ثورة عربية جديدة بدأت شرارتها من قرى ومدن محافظة الأنبار وتوهجت شعلتها في بقية المحافظات العراقية الأخرى حتى عمَّت جميع أرجاء الوطن العراقي الأبي الحر، ثورة عارمة ولكن من نوع خاص فإذا كانت ثورات الربيع العربي قد جاءت لاجتثاث أنظمة استبدادية بائدة عفا عليها الزمن كانت قد انتهجت طريق التأبيد والتوريث وتفاوت بقائها في الحكم بين 23 و 30 و 42و 33 و11عاما بَيْدَ أن هذه الثورة العملاقة الجديدة تختلف عن سابقاتها اختلافا كبيرا من حيث بعض المقومات وتتفق معها من حيث البعض الأخر فهي تختلف معها من حيث المدد الزمنية التي ظلت فيها حاكمة للشعوب العربية على نحو ما سلف بيانه إلا أنها تتفق مع جميع ثورات الربيع العربي في قاسم مشترك واحد وهو القضاء على القمع والظلم والاستبداد والتهميش والإقصاء.. أما من حيث المطالب الشعبية فتكاد أن تكون واحدة، حيث أن الشعب العراقي الحر بدأ ثورته بمطالبته (لنوري المالكي) رئيس الوزراء بالاستقالة أو الشروع في إسقاط أركان نظامه وانتهى بالمطالبة برحيله من السلطة وإسقاط نظام حكومته الفاسدة. وهذه المطالب تُنبِئُ عن ما وصل إليه العراقيون من النضج الثوري الحضاري المتطور الذي سيرسم للشعب العراقي معالم إنسانية جديدة فهي ثورة شعبية سلمية أشبه بثورات الربيع العربي وأشبه أيضا بثورة الشعر والأدب والثقافة التي كانت في مدن العراقة كالكوفة والبصرة والموصل وبغداد وسامراء وصلاح الدين والملاحظ أن الثورة العراقية تأثرت بثورات الربيع العربي على وجه العموم وبثورة الشعب السوري على وجه الخصوص لارتباطهما بعدد من المقومات الأيدلوجية كالثقافة والعادات والتقاليد وطابع الجوار وغير ذلك، هذا فضلاً عن الطابع الاستبدادي القمعي المشترك بين نظامي (المالكي والأسد) فالثورة السورية تعد بمثابة جرس إنذار لنظام المالكي الطائفي العنصري الخطير على الشعب العراقي خاصة وعلى الأمة العربية عامة كما أن إيران ذات النهج ألصفوي الشيعي الفارسي المتطرف ترى في الثورة السورية الأخطر عليها في مستقبل الأيام إذ سيكون النظام والحكم القادم في سوريا (سنياً) بحكم الأكثرية الشعبية بعد سقوط الأسد ونظامه البعثي النصيري العميل، حيث دأبت أخيراً على مد نفوذها وهيمنتها على دول الجوار من خلال الدعم اللوجستي اللا محدود لنظامي المالكي والأسد القائمين على النهج الطائفي الشيعي وأيضا دعمها لحركة الحوثي في شمال اليمن (صعدة) بالمال والسلاح ولذلك فإن بعض مرجعيات الشيعة يروجون هذه الأيام عقب اندلاع الثورة العراقية بأن أسبابها طائفية، وحقيقة الأمر أنها ليست طائفية، كما أن الشعب العراقي لم يثور على نظام المالكي بسبب مذهبه ولكن لكونه ديكتاتوريا حوَّل العراق إلى ملكية خاصة يخدم بها مصالح وقوى خارجية، فالعراقيون اليوم ثاروا جميعاً بمختلف مذاهبهم وطوائفهم على المالكي ونظامه وذلك على الرغم من أن (السنة) هم من وقَع عليهم الظلم الأكبر قياسا بمكونات الشعب العراقي وطوائفه غير أن الجميع يعانون من تدهور الوضع في ظل نظام المالكي على جميع الأصعدة الاقتصادية والاجتماعية والأمنية والأخلاقية وأصبح العراق يُحكم من داخل إيران.
أحمد محمد نعمان
مِيْلادُ ثَوْرَةٍ فِي العِرَاق 1583