لست أعرف معنى لعبارة(الوزير في جيبي) يطلقها البعض على موظفين بسطاء, إلا بهدف خلق رهبة بين زملائه, غير أن البعض الآخر لديه قدرة عجيبة للوصول إلى قلب صاحب المعالي واحتلاله تماماً, فلا يرى إلا من خلاله، ولدى هذا البعض قدرة فائقة في الاحتواء والسيطرة والتحكم وعلى وجه الخصوص من يمتلكون موهبة تشبه السحر في خلق تناغم بين صاحب المعالي وتطلعاته الشخصية وسرعة توفيرها وتقديم الحلول الناجحة ليبقى مذهولاً من قدرة صاحب قولة(الوزير في جيبي) وله كامل الحق في ذلك لعبقريته التي تصل حد أسر صاحب المعالي، فيغدو عينه التي يرى بها، ويده التي يبطش بها، وعقله الذي يفكر من خلاله.. ولعل أكثر هؤلاء براعة هم من تمرسوا على تقديم الخدمات المالية بحكم ارتباطهم بهذا العمل كمسئولين عليه ولهم في ذلك طرق لا يعلمها إلا الراسخون في الشأن المالي، منها شراء مستلزمات للمنزل وأثاث وتقصي حاجة صاحب المعالي وتوفيرها قبل النطق بها وتحت هذا التعامل يجري تصفية كل من يعارض الفساد أو ينتقد مظاهر الاختلالات أو يحاول توضيح الصورة لصاحب المعالي الذي لا تروق له مطلقاً كلمة واحدة عن هذا اللبيب وصاحب الخدمات.. حيث نراه يبادر في الدفاع عن الغلط ويعتبر أي مساس بكادره ومسئوله المالي والإداري مساساً بحقه وبحق كل الشرفاء والمخلصين، ويصدق حينئذ معنى (الوزير في جيبي) ويتأكد جلياً براعة الفريق المتخصص في الاحتواء لصاحب المعالي حين تجده يضع بعد العديد من الخدمات التي يقدمها وبعد تأكده من أنه وقر في قلب صاحب المعالي؛ يضع علامة استفهام على كل من لا يروق له، ولمزيد من تأكيد صحة ما يذهب إليه نجده جاهزاً بفريق يعزز صحة ما يذهب إليه ويتناغم معه مجموعة تربطهم مصالح وأهواء في توصيل الافتراءات إلى صاحب المعالي, حيث يبادر أحدهم مثلاً بالإساءة لسمعة موظف نزيه وتجد الآخر يلحقه على ذات المنوال وثالث يعزز هذه القناعة، وحينها يتيقن صاحب المعالي أن من يسدي له الخدمات صادق ظاهر وباطن.. ولعل مصيبة الوطن وآفته هي هذه القوى الانتهازية التي لا يقر لها قرار إلا حين تصل إلى مرحلة تحقيق شعار(الوزير في جيبي) وتهمش قدرات وكفاءات بطريقة لا يستطيع إتقانها سواهم بحكم ظروف عملهم من جهة وتراكم الخبرة من جهة أخرى، وإلا ما معنى أن يبقى رئيس شؤون مالية أكثر من 30عاماً وتجد صاحب المعالي لا يرى سواه كفاءة وقدرة ويزيد يحدثك عنه إخلاص ونزاهة وأنت تعلم يقيناً أنه البلاء كله والفساد الذي يتقن ممارسته ولا يعرف سواه وهو الذي يكفل له البقاء في منصبه في حين تجري إزاحة كل من يعترض طريقة بذكاء شديد وقدرة فائقة ورغبة في تأصيل العبث وخلق مناخات جاهزة لخدمته بحصانة من صاحب المعالي.. كما حدثني صديق يعمل في إحدى المؤسسات الحكومية عن قدرة مسئول الشؤون المالية والإدارية في النيل من الآخرين حسب هواه, لما يتمتع به من حظوة وجاه لدى صاحب المعالي وقدرته في تشكيل لوبي يتناغم مع ما يريده من إساءة للآخرين بتوصيل كل ذلك عبر أكثر من طرف, لدرجة يصعب القول إن ذلك غير صحيح.. ويبدو أن هذا الفريق الذي تمرس في البقاء على ذات الموقع يستهدف كوادر من جهة ويقدم خدمات من جهة أخرى ويغازل بالمال من لهم سلطان عليه ويفتح شهيتهم بكثير من الذي يصل إلى بيوتهم في جوف الليل، ودون أن يعرف أحد سوى المعنيين.. ويبدو والحال كذلك أنه من فرط ثقتهم بما يقومون به يقولون لك وبصريح العبارة إن وقفت أمامهم (خليه يفعل ما يريد صاحب المعالي في الجيب) ويتبعها بضحكة ساخرة تشي بالقول أنه ذكي والمقاوم للفساد غبي.. والواقع أن هذا الفريق هو آفة كبيرة في صناعة الخراب وتدهور حالة الوطن ولسنا نعرف معنى لبقاء هكذا مسئولين لأكثر من 30 عاماً وهم على مناصبهم دون تقديم أو تأخير لهم وكأن الحياة تجمدت وهم أصحاب الخبرات والمهارات والوطنيون جداً ومن دأبوا على تقديم ما يغرق صاحب المعالي فلا يرى سواهم من يقدرون على الإدارة وعلى العبث الذكي, في حين أن هؤلاء باتوا مكشوفين تماماً وهم لكثرة ما بقوا في العبث مهما كانوا أكثر حيلة وفطنة لا يمكن أن يصدقهم سوى من ارتبطوا معه بمصالح وتذللوا له وعاهدوه أن يبقوا طوع بنانه, بل ويصل بهم الأمر إلى البكاء بين يدي صاحب المعالي في أول أو ثاني جلسة بعد تعيينه, فيشفق عليهم ويرى فيهم كنزه الثمين ويثق في صمتهم وقدرتهم على تحقيق جانب مهم من تطلعاته، سيما بعد أن يدرك ذكائهم في توصيل خدمات تسر الناظرين من مقتنيات وأثاث وما لزم الحال, كطعم إذا ما بلعه صاحب المعالي حينها سيجلب له ولهم مصالح كبيرة ومغانم أكبر ويطلق لهم العنان في ممارسة القهر على الآخرين ومن يعارضهم ويصيرون بقدرة صاحب المعالي هم من يأمرون وينهون..
من هنا نفهم معنى (الوزير في جيبي) ونفهم طول إقامتهم على ذات الكرسي وحمايتهم من كل شر.. ولعل القارئ الكريم معي فيما أذهب إليه, خاصة حين يجد هؤلاء طال بهم الأمد في كراسيهم لا يعزلون ويفعلون ما يؤمرون ولا يقدر عليهم إلا من لديه همة وصدق توجه وحب للجديد وصدق انتماء..
لذلك من المهم أن يفطن أصحاب المعالي لهذا الفريق وأن يدركوا أن هؤلاء في المال والإدارة باتوا كروتاً محروقة لفرط بقائهم في كراسيهم والتعامل معهم شبهة وأي شبهة وإبقائهم على ما هم فيه ليس سوى تأكيد قولة رئيس الشؤون المالية والإدارية لصاحبي (الوزير في جيبي).
محمد اللوزي
الوزير في جيبي!! 1941