شاهدت وزير الخارجية الدكتور/أبوبكر القربي يتحدث أمام وزراء خارجية مجلس التعاون الخليجي في اجتماعهم الأخير الذي سبق انعقاد قمة المنامة الخليجية، شارحاً هموم اليمن في حاضره بعد الأزمة الخانقة التي أحاقت به العام الماضي وكادت أن تودي به إلى هاوية سحيقة لولا تدخل أشقائه في مجلس التعاون الذين سارعوا إلى تبني المبادرة الخليجية التي حقنت دماء اليمنيين ومنحتهم الأمل في تسوية سياسية سلمية ستكلل عما قريب بحوار وطني يحسم القضايا الخلافية ويفتح الباب أمام القوى والفعاليات اليمنية لرسم معالم اليمن الجديد وذلك بالتوافق حول طبيعة الدولة ومحتوى الدستور وشكل النظام السياسي.
وفي سياق حديث الوزير القربي عن حاضر اليمن فقد تداعت صورة المستقبل والتحديات التي تحول دون الوصول إلى مستقبل آمن ومستقر ومزدهر، خاصة إذا استمر هذا البلد مثقلاً بأوجاع الفقر والفاقة واستفحال ظاهرة البطالة وضعف الموارد وتدني معدلات التنمية .. بل إن مستقبلاً كهذا لا يمكن أن يتجاوز الدائرة الحرجة في ظل سطوة خطر الإرهاب والتطرف الذي يجد في متاعب اليمن فرصته للإيقاع بالكثير من شبابه المحبطين ودفعهم إلى محرقة العنف وتحويلهم من أدوات للبناء إلى معاول هدم لتخريب وطنهم وإلحاق الضرر بمجتمعهم.
هذا هو قدر اليمن الذي تعايش معه منذ عقود وقد يكون ذلك سبباً مباشراً لمكاشفة ومصارحة الأشقاء في دول مجلس التعاون الخليجي من أن بقاء اليمن، الذي يعد بالمعنى الجيوستراتيجي جزءاً لا يتجزأ من منطقة الخليج والجزيرة العربية، خارج هذه المنظومة يجعل منه ساحة مستهدفة من بعض الأطراف الخارجية التي تسعى جاهدة إلى تمزيق المنطقة وزعزعة أركانها ونشر الفوضى في جنباتها، أكان ذلك عن طريق إذكاء النعرات الطائفية والمذهبية أو عبر تغذية النوازع الانفصالية وتشجيع بعض الجماعات الجهوية على التمرد والاستقواء على بلدانها ونشر الفوضى في مجتمعاتها خدمة لأهداف وأجندات القوى المتربصة بالمنطقة.
وليس خافياً على أحد أن هناك اليوم جملة من التحديات تفرض الإسراع في صياغة رؤية موحدة لتكتل إقليمي يمكن من خلاله مجابهة كافة المحاولات الرامية إلى خلخلة الأوضاع في هذه المنطقة التي أصبحت تمثل الجدار الأخير الذي تستند إليه الأمة العربية .. وإذا أخذنا بعين الاعتبار استحقاقات المرحلة والأبعاد المستقبلية سنجد أن من مصلحة الدول الخليجية الاستفادة من توجهات حلف الناتو الذي أنشأ نظرية (الاحتواء) بدلاً عن الإقصاء، حيث وأن (احتواء) اليمن ودمجها بالنطاق الخليجي سيسهم في سد الثغرات التي يمكن أن يتسلل منها أي طرف خارجي يحاول إلحاق الأذى بأمن المنطقة، بل إن إدماج اليمن في نطاقه الإقليمي سيساعد على التأسيس لقاعدة أمنية إقليمية صلبة.
وعليه فإذا كان أحد لم يتصور في يوم من الأيام أن يصبح العراق عبئاً كبيراً على أمن واستقرار المنطقة بعد كان داعماً استراتيجياً لهذا الأمن، فإن التفريط بأمن واستقرار ووحدة اليمن سيكون بالنسبة لدول الخليج خطيئة كبرى إن لم يكن أم الخطايا، باعتبار أن اليمن والخليج في قارب واحد.
علي ناجي الرعوي
اليمن والخليج .. في قارب واحد!! 1810