الإصلاح بات قوة سياسية ذات أيديولوجيا حاضرة ليس على المستوى الوطني ولكن العالمي باعتبارهم مصنفين في المحصلة (أخوان مسلمون) لذلك لديهم تنظيم يمتد إلى أبعد منا وليس عيباً هذا من حقهم أن تكون لهم ارتباطات أيديولوجية وهم في التكوين كما كانت الاشتراكية اللينينية مع فارق طبعاً " زمكاني وأيديولوجي".
وهنا علينا أن ننظر إلى المتغير الوطني في سياق هذا البعد الأخوان المسلمين كتنظيم عالمي تصدر ثورات ما يسمى بالربيع العربي في تونس ومصر وليبيا وما يجري في سوريا واليمن.. المهمة إذاً ذات تكوين مترابط داخلياً وخارجياً.. في هذا السياق يجري تحديث حقيقي داخل التيار الإسلامي لم يعد كما هو في الخمسينات والستينات وحتى التسعينات، لقد جرى تحول في الفكر واتسعت الرؤية والقبول بالآخر والشراكة في البناء كما هو النهضة في تونس وكما الإصلاح مع المشترك في اليمن.
ولا مشاحة إن قلنا بوجود علاقة ناقدة وفاحصة وقارئة للواقع وبمنهجية اقتدر عليها الإصلاح مسترشداً بالنخبة لديه من مثقفي ومفكري "الأخوان المسلمين" على المستوى العالمي، لذلك نراهم قوى لم تعد تقليدية، إنهم في الغرب منظمون جيداً ومبرزون في شتى العلوم..
وحدها القوى اليسارية بقيت تعيش ماضويتها وأصوليتها في علاقتها بالواقع وبنظرتها أن الآخرين تقليديون ورجعيون في الوقت الذي هم فيه يعملون على فهم العصر وما نسميه العولمة أو الكوكبية واشتغلوا في هذا السياق التحولي بنفاذ بصيرة من علمائهم ومثقفيهم وقياداتهم التي احترمت الآخر وأقامت معه علاقة تحترم دون إلغاء أو تهميش بهدف الخلاص من تهمة التطرف والإرهاب ومن أجل أن يكونوا فاعلين دون محاصرة الغرب لهم عبر الأنظمة التي عادت التيار الإسلامي في حين كان يقيم شراكة حتى مع الغرب الكافر.المدهش فعلاً تقدم من كان ينظر إليهم قوى متطرفة نحو الحداثة واستيعاب حتى العلمانية في حين تكلس اليسار، تحول إلى تقليدي أصولي غير فاعل وغير واع لتطور الواقع واعتماده على الفكر السابق بمعنى غاب المثقف المنتج والسياسي المنظر في اليسار ليبرز الشكاء والبكاء ولغة الاتهام لليمين..
ودعوني أتطرف هنا وأقول لقد تحول اليمين إلى اليسار والعكس حدث تحول اليسار إلى اليمين، لذلك سنرى القادم وتحالفاته على غير المألوف لدينا ومحنة المثقف هنا أنه ما يزال ينظر إلى اليمين من موقف وحكم مسبق نحوه، لم ينسل من أيدلوجيته المناهضة لهذا اليمين ليتمكن من قراءة فاحصة وناقدة...فقط لننظر إلى التيار الإسلامي من منظورين الداخل الوطني والخارج العالمي باعتبارهما متآزرين تماماً. وباعتبار الأخوان _وأنا أحترمهم كثيراً لقدرتهم على التطور هم في النهاية في إطار تنظيم عالمي ولديهم خبرة وتجربة لا نظير لها في فهم الواقع والبناء عليه ولا ننسى أنه تنظيم تعرض للاضطهاد والإقصاء كما تحالف مع أنظمة وهو في كل هذا يستفيد ويقيم تجربته وأهم ما طرأ هو اشتغاله على الحداثة وبالذات في العلوم الطبيعية ولديهم مبرزون ننحني أجلالالهم وقد أثر هذا العلمي على الفكري، فحدث انتقال إلى استيعاب حتى العلمانية، لم يعد هذا التيار تكفيرياً كما يتهمه الآخرون، لقد انتقلت هذه العدوى ـ مع شديد الأسف ـ إلى مثقف اليسار الذي يهاجم الآخر دون فهم لتطوره ومن قناعة مسبقة وإحكام جاهزة وهي ما تخلى عنها الإسلاميون ووقع فيها التقدميون.
والحقيقة التي تمثل أمامنا أن أحكاماً جاهزة تطلق جزافاً على الإسلاميين فهم.إذا انفتحوا خونة وإذا انغلقوا رجعيين!!في حين أنه لابد أن يحدث توافق في النظر إلى العلاقة الماثلة والقوية بين الداخل والخارج مع فارق الخصوصية.؟ونحن نسأل كيف يستثمرون الجهل وهم التنظيم الوحيد الذي يحرص على أن يكون لمنتسبيه البعثات للخارج في أرقي التخصصات ؟..
وفي الخلاصة أقول: كلنا تقليديون إن شئنا الدقة لأننا نعيش المفارقة الكبرى بين الوعي ما بعد الحداثة والممارسة، مازلنا نتمتع بالغبار على أجسادنا ونقرأ النثرية عن الجمال، ونلبس بشكل اعتباطي وننظر للمنهجية، كلنا يسار ويمين طحننا الاستهلاك والمستورد.. أما العولمة فهي اتجاه إجباري يسقط الدولة القطرية والزعيم الفرد ولا يهم لديهم أصحاب العولمة،أن نكون ملاحق أو توابع مادمنا غير قادرين على الإنتاجية.. العولمة تبنى اليوم على تحالفات ولن نوقفها، إنها قدر قادم من الشركات العابرة للقارات وليس لنا لاحول ولاقوة لغياب الإبداع والإنتاج.
العولمة رأي العين، ربما اقتنصها اليمين على اليسار ونحن على ذات الرؤية الأحادية، من الادانه لهذا اليمين ولا نقبل حتى بمجاراته ولا أن نقلب حتى جريدته لنرى هل ثمة قصيدة تفعيلية كانت ذات زمن حرام وهي اليوم تتصدر الصفحة الثقافية أم أنه مازال بذات التمترس ضد التفعيلة وضد اليسار؟..
اسأل لمن يمتلك الإجابة بروح التفتح.أما أولئك الذين يريدون إقصاء قوة بشرية كبيرة عن مسرح الواقع ويعبثون بمنطق التوازنات فلا يمكنهم الوصول إلى شيء من ذلك مهما حاروا وداروا وناوروا، ففي الأخير نحن أمام ثقل حقيقي لا نستطيع أن نرمي به إلى البحر ونتخلص من أيدلوجيته ونعلن مسيرة التقدم بمحوهم، إن هكذا منطق يجافي الحقيقة ويناصب المستقبل العداء ولا يلقي بالاً للتنوع في إطار الوحدة ولايقيم وزناً لمتغير كبير حدث لدى اللإسلاميين..
نجد هذا على سبيل المثال في تونس حيث (الغنوشي) يقبل بـ(المنصف المرزوقي) اليساري العتيد ويصوت له رئيساً، وفي مصر يتسع صدر الأخوان للحوار مع القوى العلمانية ويقدمون تنازلات ويضعون دستوراً أفضل بكثير من عصر الدكتاتور ويقبلون بالنقد رغم قساوته ورغم ذهاب بعض قوى علمانية إلى البحث عن الخلاف للخلاف، ومع ذلك لا نجد لغة تدين ولا تتعالى ولا تكفر، بل تتفهم الآخر وتحتكم للصندوق ونجد عبر الصندوق النسبة المعقولة في التصويت على الدستور، لم تعد 99.%، وهذا مكسب غير عادي للديمقراطية أنجزه الأخوان المسلمون في مصر.
وفي اليمن التحالف العميق بين أحزاب المشترك نموذج آخر راقي للتعايش الخلاق رغم وجود تباينات لابد منها ومع ذلك قدم نموذجاً راقياً يحفل بالديمقراطي وينتسب إليه حقيقة..
هكذا نجد الإسلاميين اليوم رغم شراسة الموجه لهم من تطرف، يقدمون ما هو عصري ويتجاوزون السلبي ولا يلقون له بالا، وتنتقل الأصولية إلى قوى ليبرالية تهتم بالإدانة وترفض نتائج الصندوق وتريد احتكار الديمقراطية باسم الآخرون هم الجحيم، ولا يمكن والحال هكذا تطرف علماني أن يصل الإنسان إلى ما هو خلاق.علينا إذا أن نرى إلى التعايش الحيوي في الغرب مع الإسلاميين الذي ينبني على احترام الآخر والتنوع والإمتثال للديمقراطية أسلوب إدارة وحكم.هذا إن كنا نريد الاشتغال على المستقبل والانتصار له.
محمد اللوزي
الإصلاح.. ايدلوجيا حاضرة 2296