الحياة التي نعيشها بكل تفاصيلها لها وجهان : وجه ظاهر والآخر خفي لا يدركه إلا ذو البصيرة النافذة..
(أمين) طفل لم يتجاوز العاشرة من عُمره رأيته أكثر من مرة يصول ويجول بشوارع حينا والحي المجاور ومعه عدد من أصدقائه يبحثون عن (قوارير) فارغة وأوانٍ معدنية ربما تكون في نظرنا مُخلفات ولكنها بالنسبة لهم مصدر رزق ورأيتُ أطفال الحي تبادر ألسنتهم تجاه هؤلاء الأطفال بالسخرية والتحقير فقط لأنهم (أخدام) هذا اللفظ أصبح وصمة عار على ذوي البشرة السوداء أو كما نُسميهم بـ (الأخدام) عامياً, فانتابتني حينها مشاعر جمّة ملؤها أسى وحُزن ورحمة وغيظ, فهذه الفئة التي نُسميها الأخدام ليس لهم ذنب في لون بشرتهم ولا في أصولهم وفصولهم بل هم وبإختصار فئة تسكن أطراف المُدن ومساكنهم عادةً ما تكون من الصفيح أو الكرتون ويسكنها أكثر من عشرة أشخاص للغرفة الواحدة...
هؤلاء المهمشون يعيشون بعزلة عن المجتمع, خاصة بعدما تم إنشاء تجمعات سكنية لهم في عدد من المحافظات وبمواصفات متدنية وبمعونات دولية ومع ذلك عجزت الدولة عن استيعابهم ودمجهم بالمجتمع, فتكالبت مشاكلهم كالفقر والجريمة وانتشار الأمراض وكلها بسبب المساكن الرديئة وعدم توفر الخدمات الأساسية ..
(مريم) هي الأخرى لم يمنعها صُغر سنها من الصول والجول في معظم الأماكن السياسية في تعز والتقيتها مرة بقلعة القاهرة ودعتني نفسي أن أحاورها بعدما أشتريتُ منها ما كانت تبيعه للزوار القلعة رأفة بها فكانت كلماتها تحتضر بدمعات الأسى والحرمان, فهي كما أوردت تشعر بالعُزلة كلياً عن أبناء سنها فالمدرسة التي خرجت منها بعد عام لعدم اهتمام المدرسين بها وتهميشها إضافة إلى سوء ظروفها المادية فجعلها ذلك تهرب لتبحث عن لقمة عيش تسد رمقها ورمق أسرتها...
هؤلاء الفئة هم بحاجة إلى الكثير منا بعيداً عن نظرات الاحتقار وأساليب التهميش وقبل كل شيء بعيداً عن التمييز العنصري ولا ننسى قول الله تعالى ((يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم )) وقول الرسول عليه أفضل الصلوات والتسليم ((الكِبر بطر الحق وغِمط الناس)) والمراد هنا هو الاحتقار والاستصغار, فهل أصبحنا بدرجة من البخل تصل إلى بُخل المشاعر إذا كنا أصلاً بخلاء الكفوف ؟؟ ولما التحقير والتهميش بدلاً من مساعدة هذه الفئة ومساندتها بأقل ما نملك, فنحن لسنا عاجزون عن ذلك ولكن غاضين الطرف أساساً عن معاناة هذه الفئة ومفتقرين لشيء اسمه (الإنسانية)..
سيتحدث الأغلبية بوجود منظمات إنسانية لها شأن بهذه الفئة ومعاناتها وسأقول وجودها لا يكفي...ومع ذلك فما زال في الوقت متسع لإشباع إنسانيتنا المكنونة بشيء من الإحساس..
أحلام المقالح
الوجه الآخر ! 1714