تأسر معظم اليمنيين حالة من الدهشة وهم يرون عدداً من السياسيين ومن خلفهم طابوراً من الإعلاميين وقد انغمسوا كلياً في تحليل القرارت الصادرة عن الرئيس/ عبد ربه منصور هادي, بإعادة هيكلة القوات المسلحة, كلاً حسب هواه والخلفية الخاصة به والرؤية التي تتفق وتوجهاته وأولوياته, حيث سارع هؤلاء الذين لم ترق لهم حالة الارتياح التي قوبلت بها تلك القرارات إلى إعادة شد أعصاب الناس وإشاعة الإحباط في نفوسهم عن طريق التفسيرات الخاطئة والتشكيك في مقاصد الخطوة التي اتخذها رئيس الجمهورية من أجل إنهاء انقسام الجيش وإزالة ما كان يترتب على ذاك الانقسام من احتقان.. ففي حين عمد البعض من هؤلاء إلى التركيز في الأغلب على تغيير الشخوص, متجاهلاً البناء المؤسسي الذي يعد الأهم.. اتجه البعض الآخر إلى التحفظ على تلك القرارات بدعوى أنها قد جاءت بإيعاز من الأمريكان الذين أخذوا على عاتقهم الإشراف على إعادة هيكلة الجيش اليمني بما يتماشى وأهدافهم في السيطرة على اليمن..
ولم ينته الأمر عند ذلك, بل إن هناك من حاول الانتقاص من أهمية تلك القرارات لمجرد أنها قد سارت بسلام ولم تقابل بردة فعل عنيفة تهز العاصمة.. أما الأكثر تعقلاً من هؤلاء فإنه الذي لم يخف خشيته من أن تكون مثل هذه القرارات وسيلة لتمرير مؤتمر الحوار الوطني, مستشهداً على ذلك بتضارب التصريحات التي صدرت من داخل البيت الرئاسي وتحديداً عبر ماجاء على لسان السكرتير الصحفي لرئيس الجمهورية يحيى العراسي والذي أشار إلى أن القرارات الرئاسية لا تعني إقالة قائد الحرس الجمهوري احمد علي عبدالله صالح وقائد الفرقة الأولى مدرع اللواء/ علي محسن وإنما تعني إعادة ترتيب وهيكلة الجيش.. في حين اعتبر مدير مكتب رئاسة الجمهورية نصر طه مصطفى, في منشور على صفحته في الفيس بوك, أن إلغاء تكويني الحرس والفرقة لا يستدعي إقالة قائديهما, لأن التكوينين أصلاً لم يعودا موجودين من الناحية القانونية.
لم يكن هذا التجاذب حالة معزولة عن مسارات كرستها خلال الفترة الماضية مع الأسف الشديد نخب سياسية كنا نظنها ذات رؤية ناضجة ومنابر إعلامية حسبناها لبعض الوقت من المنابر المتوازنة التي ليس من بين أهدافها الدخول في مثل هذه المعارك العبثية التي تولد الإحباط واليأس في نفوس الناس..
قد تكون لكل منا أسبابه وآراؤه وقناعاته الشخصية ولكن مهما اختلفنا في هذه الأسباب والآراء والقناعات والمصالح, فلا يمكن أن نختلف على شيء واحد, هو أن إعادة هيكلة الجيش هي من القضايا الحساسة التي لا تحتمل مثل ذلك الطابع السجالي الحاد الذي أخذ نهج التشويش والتشكيك السياسي والإعلامي بصخبه ومناكفاته ومكائده التي يجري فيها الخلط بين الذاتي والموضوعي, ثم لماذا كل هذا السجال والجدل حول هذه القضية مع أن أحداً لا يجهل بأي حال من الأحوال حجم المشكلات والمصاعب والأزمات والتحديات التي تحيق بالوطن اليمني, فالأوضاع الاقتصادية ليست على النحو المطلوب والبطالة تطحن قطاعاً واسعاً من أبناء هذا البلد والاستقرار الأمني يتعرض للكثير من الخروقات والتجاوزات الخطيرة وعناصر تنظيم القاعدة مازالوا يسرحون ويمرحون في مناطق عدة وأعمال التخريب التي تستهدف أنابيب النفط والغاز وخطوط الكهرباء وشبكات الاتصالات تحولت من وسيلة لابتزاز الدولة إلى أداة لقهر المجتمع وتضييق الخناق عليه, فيما الأداء الحكومي مشتت بين الاستحقاقات السياسية للمرحلة الانتقالية والمقتضيات المتصلة بمتطلبات التنمية بمختلف مستوياتها؟!.
هذه صورة اليمن في الوقت الراهن والتي بموجبها يتعين على كافة المكونات السياسية والحزبية أن تقتنع بأن الخروج من هذه الحالة العصيبة لن يكون ممكناً من دون تصحيح التشوهات التي تطفو على السطح السياسي ومن دون الإسراع في توحيد إرادة جميع اليمنيين والتفافهم حول وطنهم وجعله هو القاسم المشترك الذي ينبغي أن تذوب عند مصلحته كافة الخلافات والخصومات الحزبية والذاتية التي أدخلت البلاد في أزمات مربكة وخانقة تشكل اليوم إدانة لكل من يتصدرون المشهد العام.
لقد شعرت بحالة من الإحراج وأنا أستمع لسخرية أحد الإعلاميين الأجانب من الساسة اليمنيين الذين يهدرون الكثير من الوقت في معارك إعلامية صاخبة, فيما يتجاهلون عامدين أن بلادهم تواجه أزمات مستفحلة تقتضي منهم تسخير كل وقتهم وطاقاتهم من أجل التنمية وإخراج بلادهم من النفق المحشورة فيه.. ولا أتصور من حيث المبدأ أن في هذا القول تجنياً أو تحاملاً, فلو كان الفرقاء في اليمن مدركين لمسؤولياتهم وواجباتهم نحو وطنهم لما احتاجوا لمن يحفزهم على المضي سريعاً في إنجاز المصالحة الوطنية والتفرغ للإصلاح والتعمير في نفس الوقت..
والسؤال الذي يطرح نفسه: هل يمكن صناعة المستقبل على قاعدة ذلك التجاذب المقيت والكريه الذى يريدنا أن نعالج أوجاع الحاضر بأحقاد الماضي؟.
علي ناجي الرعوي
هذا العبث لمصلحة من ومن أجل ماذا؟ 1857