المكان : مدينة إب / الزمان، صيف 1994
نحدق جميعاً في الشاشة، أصوات رصاصات يطلقها جنود من مبنى المحافظة باتجاه الهواء، أبي يقول إن طائرات علي سالم تحاول قصف المدينة، أحملق مجدداً في الشاشة، أرى مجموعاً من الوجوه لا أعرف من تكون، أعرف أن ثمة خوفاً وحرباً وأسلحة وناراً ومشاهد دماء..
حالة نفير عام، تخبز أمي كعكعاً، تدعو في صلاتها لليمن، يجتمع قوم في المنزل، يتحدثون في أمر هام، كلمات عدة تدور حول الوحدة والانفصال..
تكررت الوجوه على الشاشة، ولتكرارها هذا، ألفتها، لكنني لا أدري لم تظهر كثيراً على الشاشة، كنت في العاشرة من عمري، كبرت قليلاً، عرفت شيئاً عن تلك الوجوه، أولئك كانوا : علي عبدالله صالح، علي سالم البيض، العطاس، الجفري، وجمع آخر من القوم.
المكان : مدينة إب / الزمان : عامنا هذا 2012
أحدق وحيداً في الشاشة، أرى ناراً وأزمات، حرباً وناراً ورماد، أحملق مذهولاً في الشاشة، وأرى أولئك أصحاب الوجوه القديمة، مازالوا نجوم الواقع والشاشة، أنا الآن موقن بأن هؤلاء هم رموز لأزمة، لا قادة حل.
الأول غدى اليوم يقتل شعبه، لأنه هتف في وجهه : ارحل،.. الآخر، لديه اليوم مشروع تقسيم وتجزئة، وثمة وجه جديد، نجم مستحدث، سوبر ستار هذا العام، يرفض كل حل، يدعو لكل فتنة، ويرفع اللعنة شعاراً له..
أنا موقن الآن، أن ثمة أزمة قادة، لا يمكنني تصديق أن ثمة شخصاً يرفض كل حل وكل حوار، فقط من أجل مشروع قديم، مشروع شخصي بحت، لا علاقة له بأحلام الجنوب، ألم يكن هؤلاء هم قادة الانقلاب على كل حلم جميل، فكيف إذن استطاعوا خداع قطاع عريض من أمتنا ؟ كيف ينسى القوم أن هذا وجه غير مؤتمن ؟!، كيف ؟!.
قادة العالم يقدمون لأممهم مشاريع بناء وتوحد، ولدينا قادة يصبغون علينا بأماني التقسيم والاحتراب، التقسيم في بلدي قد غدى موضة يتبارى الجميع في اقتنائها، لا أعني بالجميع، إلا أصحاب الوجوه القديمة.. أما أفراد الشعب المطحون، فله خيارات ورغائب أخرى، هو قد مل من صناع الفجائع، الناس يريدون خبزاً وعيشاً كريماً، لا مغامرين بالأوطان ولا دعاة تقسيم واقتتال.
ثمة شيء آخر قد تغير اليوم، لم تعد مغامرات التقسيم والانفصال أمراً مخزياً، اليوم، إن أردت الجنة، فارفع صوراً لعلي سالم واهتف برع يا احتلال، لا تخطئ الفهم، البريطانيون قد غادروا منذ أكثر من أربعين عاماً، القادة يقصدون أبناء الوطن الواحد !!.
لا أقلل البتة من أحلام الجنوب اليمني، أنا من إب، مدينة الطيبين، المدينة التي تحب مدنية أبناء عدن، لأنهم يشبهونهم في الطيبة وتحمل المظالم.. أنا فقط أدعو لمنطق جديد، لو كان أصحاب مشروع الجنوب شباناً من أنصار الجديد، لا من أولياء القديم، لكنت معهم ناصراً، لكن الأمر، وهو كذلك، لا يتعلق برد مظلمة ولا بتحقيق العدالة، الأمر وحسب، صراع على الشاشة، رغبة في حيز كبير من التبجيل والسلطة، طموحات شخصية بحتة، مشاريع صغيرة لا تمت للأحلام الكبيرة بأي وصائل.
أنا أحلم بدولة اليمن الكبير، يقودها الجنوب، لدينا الآن رئيس جنوبي ووزراء جنوبيون عدة، رئاسة الحكومة للجنوبيين، ووزارة الدفاع هي الأخرى جنوبية، الجنوبيون اليوم يقودون اليمن نحو التغيير المنشود، لا يعرقل جهدهم هذا إلا أصحاب الوجوه القديمة، فأي منطق يستند عليه دعاة اللايمننة والتقسيم؟!.
ياسين قد قالها، هذا مشروع خراب لن يبقي ولن يذر، لن يخلف إلا صراعات في الجنوب، وحروباً في الشمال، لا مناص من الحوار، هو طريق وحيد، ممكن وآمن، لتحقيق كل المطالب، يمكن للفيدرالية المتفق عليها، أن تكون حلاً، لكن مشاريع الثأر القديم لن تخلف إلا الخرائب..
علي سالم وتياره لديهم ثأر مع علي صالح، وتيار آخر لديه ثأر مع المستقبل، و أنصار اللعنة لديهم ثأر مع الماضي، ولأجل مظلمة ما، سنحرق البلد.. " الإيمان يمان والحكمة يمانية "، لو لم يكن الرسول هو قائلها، لخبطت رأسي في الجدار. ¬¬
يونس العرومي
دولة الجنوب وأصحاب الوجوه القديمة 1915