مصطلح الفيدرالية من المصطلحات السياسية والتي تلجأ لها الدول ذات الأعراف والاتجاهات والاثنيات والأقاليم المختلفة لاستخدامه في جمع هذا الاختلاف في بوتقة الدولة المركزية الواحدة والتي تحقق للجميع الاجتماع في ظل هذه الدولة، وهو من الأنظمة السياسية التي تكون فيه السلطة مقسمة بين المركز والأطراف بحيث تقسم السلطة بين الحكومة المركزية والأطراف من الولايات والمقاطعات والأقاليم التابعة لها وهي أجدى للدولة المركزية من النظام الكونفدرالي الذي تقلص فيه صلاحيات سلطات الدولة المركزية لصالح المقاطعات التابعة بحيث لا تمتلك السلطة إلا على الجوانب السيادية وبشروطها المحددة في تعريف لكونفدرالية.
وبالنظر الى الحالة اليمنية التي لم تخرج حتى الآن من مخاض الربيع العربي وتتهدد الدولة المركزية بسبب ذلك الكثير من الانقسامات المدفوعة بأجندة خارجية تستقوي بها مشاريع داخلية متقاطعة ومتصارعة في نفس الوقت فهل يا ترى تكون الفيدرالية حلا لمعضلة اليمن؟ أم هي الأمل الأخير الذي يمكن أن يتدارك به سقوط اليمن في مستنقع التشرذم ؟ مما يؤدي وبلا شك إلى الفوضاء وزعزعة الاستقرار داخل هذا القطر مما يخيف الكثير من الجهات المتدخلة لحل الأزمة والتي استخدمت ولا زالت تستخدم وبكل ما أوتيت من قوة ونفوذ بالضغط على جميع الأطراف الفاعلة لنزع الفتيل وانفراط هذا العقد المعقد واحتوائه حتى لا يؤثر على بقية المنطقة لما لليمن من أثر في أمنها واستقرارها وتهديد مصالح الكثير من الدول والتي يروق لها أن تراه مستقرا وبأي صورة كانت ليس حبا فيه ولكن خوفا على مصالحه، وبنظرة فاحصة للحالة اليمنية وما يعتمل عند الكثير من أطرافها والتي تسير في سيرها وما تحمل من استقطاب حاد لكل طرف بحيث يحث الخطى سريعاً لتحقيق مكاسب على الأرض ولتثبيت مشروعه وللدخول في المرحلة القادمة أما بصفة المشارك الفاعل او المستحوذ الغالب.
نتيجة للتصادم الواضح بين الكثير من هذه المشاريع نظراً لعدم وجود قاسم مشترك بين أهدافها وأجنداتها ومخرجاتها بحيث يصعب تحقيق أي شراكة حقيقية بينها في المستقبل أو على الأقل في المنظور القريب فإن الصراع بينها هو المرشح مما يعني وبلا شك إطالة أمد الأزمة في جانب والتي لا ولن يحتملها اليمن في الفترة الراهنة وفي الجانب الآخر سيضطر بعض الأطراف لتقديم تنازلات مهمة وجوهرية على مشاريعها المطروحة حالياً وإلا سيبقى اليمن في عنق الزجاجة وتبقى الأطراف ( كالمنبت الذي لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى ).
كما أنه بالنظر إلى المشاريع المطروحة في الساحة أو التي برزت أو عادت إلى البروز مرة أخرى لا يجد المتابع فيها حلاً شاملاً لجميع المشاكل والأطراف بحيث على أقل التقدير يخرجون منها بماء الوجه أو بما يحفظ الكيان أو يبقي بعض ملامح المشروع المطروح.
وبالتتبع المحايد وإن كان لا يرضي معظم أصحاب هذه المشاريع المتقاطعة والمتصارعة، يمكن أن تكون الفيدرالية التي يجتمعون فيها ولو بصورة مؤقتة لنزع الفتيل المشتعل وهذا في تقديري ما تميل إليه بعض النخب وكثير من الجهات الخارجية المتدخلة في حل الأزمة اليمنية وكذا جزء كبير من الأغلبية الصامتة التي تأمل على مثل هذا الأمر لتحقيق الأمن والاستقرار والرخاء للجميع دون دفع فواتير أخرى تضاف إلى فاتورة الأزمة المتفاقمة وما سبقها قبل اندلاع ثورات الربيع العربي.. وبما أن المشاريع المطروحة على الساحة اليمنية لا تكاد تخرج وبما سيذكر لاحقا فإن الجمع بين تناقض هذه المشاريع لا يتأتى إلا بجلوس على طاولة حوار أو لو تطلب الأمر طاولة تفاوض يطرح فيه كل طرف مشروعه في جو يسوده التفاهم ويتخلى فيه الجميع عن طرح الشروط المسبقة والتي لا شك ستكون عائقاً لاستمرار مثل هذا الحوار والتفاوض، ومن خلال الواقع المنظور لا يستطيع صاحب مشروع من هذه المشاريع فرض مشروعه في الوقت الحالي ولا حتى الذين يمسكون بتلابيب السلطة المهترأة وبالتالي فإنه لا يمكن مع هذا الواقع فرض مشروع ما وبأي طريقة بل أن التسويف في هذا الأمر وتمسك كل طرف بما عنده يفتح الباب إلى تفريخ مشاريع كثيرة تتوالد مع تمادي الأطراف الفاعلة بالتمسك بوجهات نظرها في حل الأزمة القائمة كما يمكن أن تظهر بعض المشاريع التي تفتح باباً من أبواب المحاسبة في أحداث تاريخية مر بها اليمن لو قدر لها أن تطرح لفتحت عليهم جميعاً باباً لا يمكن سده وشراً لا يمكن رده..
ويمكن إجمال المشاريع المطروحة لحل المعضلة اليمنية إلى تقسيمات : ـ
أولاً:ـ مشاريع داخلية وخارجية..
ـ ويمكن تقسيم الخارجية إلى مشروعين فاعلين هما:
أـ مشروع قراري مجلس الأمن 2014 ـ 2051، ب ـ مشروع مجلس التعاون الخليجي وبما يتمثل في المبادرة الخليجية
وبالنظر إلى هذين المشروعين فإنهما قد جاءا في ظرف استدعاء تدخل هذين الطرفين إلى التدخل في الأزمة اليمنية حتى لا يتكرر سيناريو ما حدث في بلدان الربيع العربي الأخرى بصوره المختلفة نظرا لخصوصية اليمن وهذا هو الهدف الذي يجتمع فيه هذان المشروعان وبما يملكانه من تأثير قوي على أطراف الأزمة اليمنية وبالتالي وضعت اليمن بهذين المشروعين حتى انتداب مؤقت له أجندته وأهدافه، كما أن له إيجابياته وسلبياته، وفي تقديري أن هذين المشروعين يجب ألا يطولا وأن تستكمل جميع الأهداف التي وضعت لانفراج الأزمة اليمنية بصورة مزمنة ومحددة وإلا فإنهما ربما يفقدان السيطرة الحقيقية لاحتواءها والخروج بها إلى بر الأمان.
ـ المشروع الداخلي يمكن تقسيمه إلى مشروعين أيضاً :
أـ مشروع شمال اليمن، ب ـ مشروع جنوب اليمن أو بما يسمى القضية الجنوبية..
هذان المشروعان يشكلان أساس الأزمة اليمنية سواء في شمال الشمال أو بما يسمى (بقضية الحوثيين) أو في جنوب الشمال كما برز مؤخراً وهي قضية (تهامة ) وكذا مشروع جنوب اليمن وما ينضوي عليه مما يسمى القضية الجنوبية من قضية مطلبية إلى قضية متشعبة بلغت في أعلى سقفها إلى المطالبة بفك الارتباط واستعادة الدولة واستعادة هوية شعب كما هو مطروح عند أصحاب هذا المشروع أو ما يغلب على أغلب أطراف الحراك الجنوبي..
كما ظهرت أيضاً بعض المشاريع القديمة في طيات هذا المشروع دعوات قد تختزل ضمن هذا المشروع القضية في نطاق جغرافي ضيق أو في انبعاث دعوات سادت في ظروف تاريخية معينة تحاول استغلال الظرف القائم لطرح مشروعها المؤمل.
وأخيراً فإنه بالنظر المحايد يمكن من خلال دراسة متأنية لكل هذه المشاريع، فإنه في الظرف الحالي لا يمكن جمع هذه المشاريع كلها إلا في إطار حكم فيدرالي بصورة ما يحفظ لجميع الأطراف حقها ويستعيد الحقوق الملحة لكثير من الأطراف التي هضمت في الماضي، كما يرسي للأطراف والمشاريع القائمة قواعد تنطلق بها إلى تحقيق الصالح العام لهذا البلد والذي يعاني قديماً وحديثاً كثيراً من الويلات بسبب تصرفات بعض الأطراف ومئآلات كثير من المشاريع المنقوصة والتي لم تجلب لهذا البلد ما كان يحلم به بل ولا يتمناه، فصار حاله هو الحال الذي وصل إليه وكلما أراد أن يخرج من أزمة أوقعته هذه المشاريع في أزمة هي أشد منها عمقاً.
علي مبارك ملص
الفدرالية في اليمن أهي الحل أم آخر أمل؟! 1617