يأتي الشتاء في كل عام وبجيوبه من الصقيع ما يكفي لطمر البشر أسفل الأرض ويلجأ البشر إلى الاحتماء بكل ما يبعث الدفء كالملابس الشتوية والمشروبات والمأكولات الساخنة، ويبقى الأطفال رهينة اهتمام أولياء أمورهم فيما يخص برد الشتاء خصوصاً طلاب المدارس!.
في الشتاء وفي المدارس تجد باعة المثلجات يتزايدون وكأن البرد موسم لبيع الآيسكريم دون إحساس بأن تناول الآيسكريم في أيام البرد سبباً للأمراض كنزلات البرد خاصة لأطفال لن تتحمل أجسادهم صقيع الشتاء ومع ذلك تجدهم يوميا على باب المدرسة يبتاعونها، وحينما توضح لهم مدى خطورة بيع الآيسكريم أمام مدارس الأطفال خصوصا، توّقع أن يكون ردهم عليك (هذه أرزاق ستنقطع ) !
أي أرزاق هذه التي تكون مفتاحاً للعِلل ودون دراية يقع البائع في بحر اللعنات التي يصبها أولياء الأمور حينما يعلمون أن أبناءهم تناولوا المثلجات من أمام المدرسة لذا تعرضوا لأمراض البرد القاسية ! كل ما نريده منهم أن يبتعدوا بمثلجاتهم بعيداً عن الأطفال – رأفةً بهم - فقط في الشتاء وأرض الله واسعة..
في الشتاء أيضاً ندرك كم أن الدفء لقمة سائغة لمن يدثرون أجسادهم بالملابس الشتوية، أما الجوعى والمرضى فدفئهم يستقر في قلوبهم فقط، أما في قلوب من حولهم فلا تجد إلا القليل منهم من ينعمون بقلوب تبث دفئها لمن حولها ولعل هذا ما نلمسه في تعابير وجوه المتسوّلين والفقراء في الشوارع والتي تنتهي بعلامات الاستفهام والتعجب لحال أمة تشتكي البرد وبداخلها أفران دفء !.
الحياة التي تتلخص في أربعة فصول تعلّمنا دروساً فيها لن ندركها إلا بالتأمل فقط، فالخريف مثلاً هو تلك النهايات الحزينة ولكن سقوط الأوراق الذابلة لا يرمز بالضرورة للنهاية وإنما قد يعنى أن الأوراق الخضراء اليانعة لا تنمو إلا بعد التخلص من تلك الأوراق الهشة التي لم تعد تستطيع الصمود أمام رياح الشتاء العاتية، تلك هي الحياة !.
أما الشتاء فيعذبنا كيفما يشاء..ينفض صقيع مشاعرنا المتجمدة لـِ أشخاص رحلوا منذ دهور.. يُمطر علينا دموعنا التي ذرفناها حنينا مِن أجلهم ؛ لـِ نرتديهم مَعاطفَ.وتظل الحياة مدرستنا الكبيرة والتي دفعتني للبوح فيها :
أملي قشة وحلمي جذع
وما بين البين سحابة صيف قد تمطر
وشجرة متهالكة قد يفوتها السقوط هذا الخريف
وندف ثلج لا يوخز
وربيع مزهر
أحلام المقالح
في الشتاء..! 1830