من الملاحظ أن أغلب الكتاب إن لم يكن جميعهم وأنا واحد منهم، يتحدثون عن فساد القطاع العام وأسبابه ومسبباته وتبعاته وكيفية إصلاحه، متجاهلين بذلك فساد القطاع الخاص، ودوره الهدام في تركيز الثروات وفصل الطبقات، ليزداد الغني عنى والفقير فقراً.. ففساد القطاع الخاص قد لا يقل أهمية عن فساد القطاع العام، وهناك العديد من الأسباب لفساد القطاع الخاص منها ما يتعلق بالسلوكيات، كما هو الحال في رشوة القطاع العام، ومنها ما يتعلق باستغلال المعلومات التي يتم الاطلاع عليها بحكم الموقع لتحقيق مكاسب شخصية، ومنها التعيينات، ومنها... ومنها...، وسأتعرض في هذا المقال إلى نوع واحد من أنواع فساد القطاع الخاص، وهو فساد إدارات الشركات واستغلالهم للمعلومات التي يطلعون عليها بحكم مناصبهم في الشركة لتحقيق مصالح ومكاسب شخصية لهم على حساب الغير.
فالأصل في إدارة الشركة أو مجالس إدارتها، أن تكون لغايات تحقيق مصالح الشركة وإدارتها، بالإضافة إلى تحقيق مصالح الشركاء والمساهمين وأصحاب المصالح، لا أن تكون لتحقيق مصالح شخصية لأعضاء مجلس الإدارة أو المدراء، وإذا حادت إدارة الشركة عن هذا الطريق، فيتوجب هنا على السلطة العامة (الحكومة) التدخل لمنع مثل هذا الانحراف، ويتم ذلك من خلال وضع منظومة من الأسس والمبادئ التي تحقق شفافية ونزاهة وحيادية هذه الإدارات، وهو ما يعرف بمصطلح (حوكمت الشركات)، فحوكمت الشركات تعد أحد الوسائل الفاعلة لمعالجة فساد القطاع الخاص وتجاوزاته، والتي تمكننا من الوصول إلى قطاع خاص فاعل في نسج منظومة عادلة من القواعد والمفاهيم والقيم والسلوكيات في يمننا الحبيب.
لقد ازداد الاهتمام بمفهوم حوكمة الشركات، في العديد من اقتصادات الدول المتقدمة والناشئة بعد حصول العديد من الانهيارات الاقتصادية والأزمات المالية التي شهدتها العديد من الدول سواء في شرق آسيا أو روسيا أو أمريكيا اللاتينية، وتبعاً لذلك فقد تطرق العديد من رجال الاقتصاد والقانون والمحللين والخبراء إلى أهمية الحوكمة ومدى تأثيرها في العديد من الجوانب الاقتصادية والقانونية والاجتماعية بما يحقق مصالح الأفراد والمؤسسات والمجتمعات بشكل عام، الأمر الذي يؤدي إلى إحداث تنمية شاملة في اقتصاد الدول المتقدمة والنامية.
فحوكمة الشركات معنية بتنظيم وضبط أعمال وممارسات القائمين على إدارة الشركات بشكل يحفظ لأصحاب المصالح حقوقهم، بما في ذلك حقوق المساهمين وحملة الأسهم والسندات وموظفي الشركة وحتى عملائها، الأمر الذي يعود بالفائدة على اقتصاد الوطن بشكل عام.
وإذا كانت عملية مكافحة الفساد التي نشهد لها تصاعداً واتساعاً هذه الأيام،وبما تنطوي عليه وتتطلبه من قوانين وتشريعات، ومن أدوات ووسائل واتساع رقعة عمل، إذا كانت معنية باجتثاث هذه الظاهرة المستشرية بكل مكوناتها وفروعها واستئصالها، بكل دوافعها وقواها المحرضة ظاهرة كانت أم مخفية، فإنها بالتالي معنية بالمساواة على الأقل،بين فاسد فاعل وفاسد محرض، وبين فساد في هذا القطاع وفساد يكمله في ذاك، وإذا كان للفساد في القطاع العام عيون تراقبه، وأدوات ووسائل تضبطه متلبساً، وهيئات وإدارات تحاكمه وتحكم عليه، وقوانين وتشريعات تحاصره وتضيق عليه فرصه وثغراته، فأين هي كلها بما يجري من فساد في القطاع الخاص؟ وممن يحرض ويدفع إلى الفساد وممارساته من داخل هذا القطاع الذي تعول عليه اليوم وفي المستقبل حيوية اقتصادنا وآفاقه القريبة والبعيدة؟.
هيئات وإدارات القطاع الخاص من غرف صناعة وتجارة وغيرها لا تمارس أي دور رقابي على فعالياتها،ولا تشارك بعملية مكافحة الفساد سوى بالتنظير والأمنيات، تحشر نفسها في زاوية ما يشبه العمل النقابي فحسب، وتمتنع عن الانخراط في جهاز الدولة كجزء منها وكما هي الحال في الكثير من دول العالم ومجتمعاته،حيث تكتفي بالجانب المطلبي وتتخلى عن الجانب الوطني في الكثير مما يفرضه دورها ومسؤولياتها!..
هناك من يحاكم الفساد في القطاع العام، فمن يحاكمه في القطاع الخاص ومن يصوب اتجاهات هذا القطاع؟.
رائد محمد سيف
فساد القطاع الخاص!!! 2126