إن اليمن الجديد ينتظر جهدك أيها القارئ الكريم، جهدك أنت بالتحديد، لا تلتفت فأنت المطلوب، وأنت المقصود بالانتظار والنداء، وأنت تستطيع ومن موقعك الذي أنت فيه أن تسهم في خدمة الوطن، بإمكانك أن تكون جزءا من الحل، وباستطاعتك أن تكون رقما حقيقيا في صناعة التحول في يمننا الحبيب.
اليمن اليوم ينتظرك أنت، وأنت بالتحديد من ستقوم بالاستجابة لنداء الوطن الحبيب، فالمهمة المناطة بك لبناء اليمن الجديد لن يقوم بها غيرك، فأنت على ثغرة علمية أو عملية أو أمنية أو عسكرية أو مهنية فلا يؤتين الوطن من قبلك، أنت على ثغرة مهمة، هي الأمانة الملقاة على عاتقك مهما كنت مسئولا أو مواطنا عاديا،وهي واجبة عليك باعتبارك وشخصك، انظر ما تستطيع فعله لأجل اليمن، تجد أمورا كثيرة تستطيع فعلها، وأن مبادرتك فيها توسع مساحات الخير في الوطن، وترسم الابتسامة على وجوه كثيرة، وتزرع الضوء في نفوس كثيرة، وتوزع الأمل لدى أناس كثيرين، وتقوي العمل الصالح في مجالات عديدة، لا تحتقرن دورك فالنبي صلى الله عليه وسلم يرشد أبا ذر رضي الله عنه بقوله في الحديث الصحيح: "يا أبا ذر إذا طبخت مرقة فأكثر ماءها وتعاهد جيرانك" تعاهد من حولك بالخير الذي في يديك ولو كان ما تملكه شق تمرة، فإن لم تجد فبالكلمة الطيبة ولا تحتقر قيمتها وأهميتها، فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول: "اتقوا النار ولو بشق تمرة فإن لم تجد فبكلمة طيبة" متفق عليه.
إن اليمن اليوم تناديك أنت سيدي القارئ الكريم تحديداً، وتنادي فيك غيرتك على الوطن، تنادي فيك رجولتك التي تجعل من العمل الوطني ميدانا نعبد الله عز وجل من خلاله، فالله يحب إذاعمل العبد عملا أن يتقنه، وهذا مجال مهم، ويحب اليد العاملة، ومن أمسى كالاً من عمل يده أمسى مغفوراً له.
اليمن تناديك لتتعلم، لتقرأ، لتتزود بالمعرفة، وإذا فعلت ذلك يزول كابوس الجهل، وتنادي فيك حبك لإنسانيتك فمن زاد عليك في العلم زاد عليك في الإنسانية، متى يصبح إدمان القراءة في بلادنا مثل إدمان القاتن؟ متى يصبح الكتاب مكان كيس العلف المهين؟ متى نستبدل بدل البندقية قلماً وبدلاً عن تقليب أوراق القات لاعتلافها أوراق الكتاب لقراءتها واستيعابها، فبالعلم نبني اليمن الجديد، بالعلم والعمل لا بالجهل والكسل.؟
اليمن اليوم تناديك لتكون ملتزماً، فالالتزام هو البعد الرابع في الحياة التربوية في رأي د. عبد الله سلطان ـ أحد رواد العمل التربوي في اليمن، والالتزام هو المظهر الحقيقي للتعليم، فالشعب المتعلم لا يكسر المواطن فيه إشارة المرور حتى لو كانت الساعة الثالثة فجراً؛ حيث لا أحد في الشارع، لأن الالتزام بالإشارة عنوان التحضر والنظام واحترام القانون.
إن الالتزام يجعل المواطن يؤدي الأمانة إلى أهلها، فلا يتأخر ولا يخادع ولا يغش ولا يرتشي، يجعل رجل الأمن يقوم بواجبه المناط على عاتقه على الوجه الذي يرضي الله عز وجل، والمعلم الذي يلتزم بالتحضير ويطور نفسه ويكون قدوة صالحة يرضي الله عز وجل بهذا الالتزام ويقدم من خلال ذلك خدمة جليلة لليمن.. وهكذا كل من يقوم بعمل فكري أو يدوي أو جسدي يستطيع من خلال الالتزام أن يعبد الله عز وجل وأن يسهم في بناء اليمن الجديد، وهذا دور تستطيع فعله سيدي الكريم بحسب موقعك، تستطيعه وتنتظره اليمن منك، كن جزءا من النظافة لا جزءا من مشكلة النظافة، كن جزءا من النظام لا جزءا من الفوضى ومخالفة القانون والنظام، كن جزءاً من حملة العلم والقراءة والتنوير لا جزءاً من الأمية والكسل، كن جزءاً من العافية في جسد اليمن.
إن الالتزام يجعل السلوك الحضاري هو شارة اليمن،ويجعل سيادة النظام والقانون هو السلوك العام الذي يشكل وعي الناس وطريقة حياتهم. وأنا وأنت سيدي القارئ الكريم مطالبون بأن نكون ملتزمين وأن يظهر بعد الالتزام على حياتنا بصورة واضحة، وهذا يخدم اليمن وقبل ذلك وبعده يقربنا من الله فإن الالتزام علامة أساسية من علامات الخلق الحسن، ففي الحديث الصحيح الذي رواه أبو داود والترمذي وغيرهما عن أبي الدرداء ـ رضي الله عنه ـ عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: "ما من شيء أثقل في الميزان من حسن الخلق".
إن اليمن الجديد الذي تريده سيدي القارئ الكريم يتحدد بنوعية العمل الذي تقدمه، فمن خلال عملك يكون ما تريد، إن النظافة مثلاً هي مجموع تصرفاتي أنا وأنت، المسئولية إذن فردية في نهاية المطاف، حين ألتزم أنا وأنت بسلوك حضاري نعبد الله من خلاله تسود الحياة الطيبة، فالذي يبادر بسداد فاتورة الكهرباء يسهم في توفير التيار لمرضى الكلى في المستشفيات ويوفر النور لأبنائنا طلبة العلم في عموم اليمن ويقوي من حركة الصناعة في البلاد، فكم من يد عاملة تكسب وكم من مريض يتماثل للشفاء وكم من طالب علم ينجز مهامه العلمية، لو نظرنا إلى الأمور من خلال سؤال أنفسنا ما الدور الذي علي فعله لتغيير الوضع نحو الأفضل، ما الذي أستطيع القيام به لخدمة اليمن الجديد لكنا في وضع آخر وأحسن حالا، لو سألنا أنسفنا هذه المهة سأقوم بها فأنا الأجدر بها.. لقد أعلنها الشاعر العربي القديم:
إذا قيل من فتى خلت أنني عنيت فلم أكسل ولم أتبلد
إن اليمن الجديد هو مجموع ما نقوم به من تصرفات، الظواهر الاجتماعية الكبرى ما هي إلا مجموع تصرفات البشر الفردية، كن منفذاً يمر من خلاله الخير، كن مفتاحاً للخير، كن أنت لبنة صحيحة وقوية في بنيان اليمن، أنت سيدي الكريم وأنا وهذا وذاك كلنا ترمقنا عين الوطن، تدعونا أن نعبد الله تعالى من خلال بناء اليمن ونتقرب إليه من خلال كل عمل خير نؤدي فيه الأمانة إلى أهلها ونحكم فيه بالعدل ونحسن فيه إلى الخلق ونسهر على مصالح اليمن ونعمل على توطيد أركان الأمن والأمان والسلام في هذا البلد الذي عانى طويلا من الحروب والاقتتال والتنازع والخلاف، أو بتعبير الرئيس هادي جربنا الحرب خمسين عاماً وهذا يكفي، الجرح المفتوح في اليمن يجب أن ينتهي العنف في اليمن يجب أن نرفضه جميعاً، والدم اليمني عزيز علينا وغالٍ لدينا، فاليمن تريد من يبنيها وكلنا نستطيع ذلك.
وأخيراً هناك شخص مهم جداً بالنسبة لك سيدي القارئ الكريم ينتظر اليمن دوره ويتطلع إلى اتخاذه القرار المناسب بالعمل والإنجاز، هذا الشخص تعرفه سيدي القارئ الكريم حق المعرفة وأنت أكثر شخص يعرف قدراته، وأكثر إنسان يستطيع أن يلزمه بفعل الصواب ويأخذ بيده في بناء اليمن الجديد، أنت تعرفه لأنه أنت، فأنت المقصود، وبمخاطبتي إياك أخاطب نفسي ومن خلال توجيه الخطاب إليك إنما أوجهه لنفسي، فقد آن الأوان أن نسعى جاهدين في ميدان اليمن، أسمع صوت اليمن بالنداء هيا إلى العمل، وإن شاء الله سنلبي النداء أنا وأنت سيدي القارئ الكريم، هيا نهتف بلسان العمل لبيك يا يمن، نعم لليمن الجديد.. أسأل الله تعالى أن يوفقنا جميعاً.
د. محمد عبدالله الحاوري
اليمن الجديد ينتظر ويناديك 1976