كنت طفلة ربما في الخامسة أو السادسة، لا أدري بالضبط،،لكني لا زلت أتذكر تلك الابتسامة الصافية وذلك الوجه المسموح لرجلٍ لا أتذكر منه سوى اسمه وابتسامة كان يهديني إياها كلما مررت من أمامه ولا زالت مطبوعة في ذهني بعد مرور كل تلك السنوات على وفاته.
لا يحتاج الإنسان أن يبني برجاً عملاقاً أو أن يخترع آلة عجيبة لكي يخلد اسمه في قلوب الناس، إنما هي كلمة صادقة وابتسامة حنونة يمكن أن تحفر لصاحبها مكانة عالية لا تزول من قلوب كل من حوله وصدق الحبيب المصطفى حين قال: (تبسمك في وجه أخيك صدقة، والكلمة الطيبة صدقة).
نعيش حالة من الهبوط المخيف في المشاعر الإنسانية ربما نتيجة ما نعانيه من أزمات مادية وسياسية وربما لأننا أبحرنا بعيداً عن شاطئ الأمان وهو ديننا وصرنا في وسط المحيط تتقاذفنا أمواج الحياة المادية التي تجرد الإنسان من كل مكنوناته العاطفية إن هو تعمق في قاعها وأصبح كل ما يربطه بمن حوله هو المادة والمصلحة وحسب..
حين تختفي مشاعر الإنسانية من رحمه وتآلف وإيثار تسيطر عليه مشاعر مشوهة وعقيمة لا تتعدى حدود مصلحته ونفسي ومن بعدها الطوفان.
حتى حب الأوطان الذي نشأنا ونحن نحمل في أذهاننا أنه حبٌ مقدس إن فرطت فيه فقد فرطت في عرضك، اليوم أصبح جملة ليس لها مكان من الأعراب في قاموس البشر وهو آخر ما يمكن أن يلتفت إليه شخص جل اهتمامه يكمن في توفير لقمة عيش في طريقه لتحصيلها أضاع الكثير من صفات الإنسانية، لأنه نسي ربما أن رزقه محفوظ له فوق سبع سموات وإنما عليه أن يسعى وهو يتذكر دائماً أن في الجهة الأخرى إخوة له من بني جنسه يحتاجون أن يمدهم بإحساس الإخوة في الدين أو في الإنسانية ولو بالدعاء في ظهر الغيب..
نحتاج أن نتعامل بإنسانية برغم كل الظروف وفي كل الحالات، فإن قسوة الأيام لا تبيح لنا أن نكون مجردين من أخلاقنا ومشاعرنا..
نحتاج أن نتعلم لغة الإيثار على النفس، فليس الكرم أن تعطي لشخص ما يحتاجه ولكن الكرم أن تعطيه ما تحتاجه أنت أكثر منه، ليس من الكرم أن تهب فتات قوتك لجائع، لكن الكرم أن تقتسم مع الجائع اللقمة لتشبعا سوياً.
ليس من الكرم أن يأكل الكبار أولاً، فإذا ما اكتفوا منحوا الفائض للصغار، لكن الكرم والجود أن نزرع الوطن معاً ويجني الجميع من خيره بنفس القدر.
إذا ما اتسعت قلوبنا لبعضنا البعض على اختلاف مستوياتنا وأعمارنا ومناصبنا، فإن الوطن سيصبح باتساع الكون يجتمع الكل تحت ظله أخوة متحابين متآلفين وإن اختلفوا ليصبح الحب في الله ولله هو أكسجين الحياة الذي لا حياة بدونه.
جواهر الظاهري
أكسجين الحياة 2010