كانت الثورة وكان الشعب في الساحات, وتوافدت إليها الأحزاب والمنظمات, وكذلك الشخصيات والوجاهات, وضباط من أعلى المستويات, والتقت فيها جميع التوجهات , وكان الانتماء لها وسام شرف ومرتبة, وأحياناً هروباً من السوءات, بدا الجميع ثورياً بامتياز وكل يدعي وصلاً بليلى , تأتي مواقف لا تتوافق أحياناً مع ثورية أحدهم ويتغاضى البقية عنه بدعوى أنه رفيق نضال , يتجاوز حدود المعقول وهم يعبر عن ثوريته التي تصل حد النيل من رفاق الثورة , ثم يبدو أحياناً قريباً ممن ثار ضده ويتحدون في شن الهجوم على هذا أو ذاك، حتى ليبدو الأمر أحياناً وكأنه ثورة على الثورة فهم –كما يدعون- أكثر ثورية من أي أحد آخر, تراهم يثيرون قضايا هامشية لتبدو وكأنها قضايا جوهرية من صميم الفعل الثوري , وأحياناً يتم جر المكونات الثورية لصراعات جانبية تشتت الجهود وتمنح الآخر فرصة لتفريق الصف والعزف على وتر الخلافات بين تلك المكونات المختلفة , أحياناً كنا نحاول أن نعذر هؤلاء وأحياناً أخرى نلوم ذاك وربما شاركناهم الهجوم على طرف معين مندفعين خلف شعارات ثورية استغلت خطأ ما كلنا لا نقره، لكننا أيضاً لا يمكن أن نجعله معياراً لفساد ثوريته وهو الذي قدم كوكبة من خيرة أبنائه في موكب الشهداء والجرحى.
نحن لا نريد أن نشكك في ثورية أحد هنا وقد قدم الجميع التضحيات ووقف الجميع صفاً واحداً في وجه الظلم والطغيان، لكن ربما أن للبعض حسابات أخرى تعارضت في فترة معينة مع توجه عام في شكل الحسم الثوري ومع هذا مازلنا نؤمن بثورية الجميع، لكننا في ذات الوقت لا نريد أن نرى أحد رفاق الدرب النضالي يخرج من المسيرة ليسلك منعطفاً قد يبدو متصادماً مع أهم أهداف الثورة وهو يعتقد أنه يعارض رغم أن له تمثيلاً في الحكومة ولجنة الحوار ويشارك فعلياً في الأداء الحكومي.
أن تكون ضمن التشكيلة الحكومية وتحوز على مقاعد رسمية في مؤتمر الحوار وغيره من الجهات الرسمية ثم تتصرف كمعارض وأنت مشارك فعلي في الحكم فهذا عين التناقض , فحين تتم الاتفاقات وتجري الانتخابات وتعلن المبادرات ويزعم أحدهم معارضته الشديدة لكل هذا، ثم حين تشكل الحكومة واللجان الحوارية وغيره يقدم أفراده كمشاركين ويصبح شريكاً في كل شيء، فهذا أمر يدعو للحيرة , هذا كله جانباً، أما الجانب الأكثر حيرة أن يعارض هيكلة الجيش والأمن وهو الهدف الأكثر فاعلية في نجاح الثورة الشبابية السلمية , ومهما كانت المبررات، فما حدث لم يكن يتوقعه أحد وقد بدأت خيبة الأمل تخيم على الجميع بعد عام من تغييرات محدودة، بدت وكأنها مسكنات حتى قال البعض فشلت ثورتكم, إننا نأمل أن ننخرط في العمل السياسي وأن نساهم في الدفع بالجهود لتنفيذ هذه الهيكلة بما يخدم الوطن بشكل عام بغض النظر عن توجهاتنا التي قد تتعارض مع توجهات الآخرين وألا نجعل من مواقفنا ضد المختلف معهم مواقف ضد الأهداف الكبرى التي خرجنا من أجلها دون أن نشعر , إننا مطالبون اليوم ـ إن كنا نريد الخير للوطن ـ أن نتعاون أكثر من أي وقت مضى وأن نقدم التنازلات تغليباً للمصلحة العامة وأن نساهم في إنهاء عسكرة الحياة العامة، سواء كانت هذه العسكرة من قبل الجيش أو مليشيات وقوى أخرى قبلية أو حزبية .
تغريدة..
إن نجاح أهداف المجتمع الكبرى هو نجاح لأهدافنا الخاصة وإلا فلنراجع أهدافنا .
توفيق الخليدي
الذين أزعجتهم الهيكلة 2405