أخيراً تحقق أهم هدف من أهداف ثورة الشباب في اليمن وهو إقالة بقايا العائلة من المناصب السيادية في الدولة وهو أعلى قيادة جيش العائلة والذي كان نذير حرب ستحدث في البلاد .. لقد توحد الآن جيش اليمن وأصبح جيش الشعب بدلاً من جيش العائلة ، نقطة تحول في تاريخ اليمن صنعها الشباب بثورتهم ونضالهم من خلال بقائهم في الميادين وساحات الحرية ..
إن إنهاء بقايا العائلة وإقالتهم من الجيش اليمني تعد خطوة استراتيجية اتخذها الرئيس هادي للملمت الجيش وإضاعة الفرصة على من يريدوا تقسيمه والزج بالبلاد في أتون حرب لا تبقي ولا تذر .. وكما أسماها الشباب في شعاراتهم خلال المسير المليونية يوم الخميس الماضي (بأنها ضربة معلم)، حيث أعلنوا مباركتهم وتأييدهم لها . شكِّلت هذه الإصلاحات جزءاً لا يتجزأ من المبادرة الخليجية المتمثّلة بحزمة التسوية السياسية المقدَّمة من مجلس التعاون الخليجي والأمم المتحدة والتي رافقت استقالة الرئيس الأسبق/ علي عبدالله صالح. وتشمل الحزمة أيضاً تشكيل حكومة توافق وطني انتقالية لمدة سنتين، التي عقدت أول اجتماع وزاري لها في 10 كانون الأول (ديسمبر) 2011، وعقد مؤتمر جامع وشامل للحوار الوطني بحلول شباط (فبراير) 2013 لتمهيد الطريق أمام إجراء إصلاحات دستورية وإجراء انتخابات جديدة.. ومن خلال هذه الهيكلة يصبح الجيش اليمني جيشاً واحداً يحافظ على مكاسب الشعب ويحفظ له أمنه واستقراره وحده.. ستؤثّر نتيجة هذه الإصلاحات بقوة في عملية الانتقال السياسي في البلاد، حيث سيكون نجاحها بمثابة خطوة رئيسة في مسيرة اليمن نحو الانتعاش في أعقاب الربيع العربي.. أما فشلها فسيدفع البلاد، التي تعاني بالفعل من التمزّق نتيجة الصراعات العنيفة الكثيرة، نحو الانفجار من الداخل، ما قد يؤدّي إلى عواقب وخيمة على الأمن الإقليمي والدولي. وفي النهاية، سيتوقف الأمر على ما إذا كانت الحكومة المركزية التي تشكَّلت في صنعاء في مرحلة ما بعد علي عبدالله صالح قادرة على قطع الروابط العميقة القائمة بين الجيش والشبكات القبليّة القويّة ودعم اقتصاد الدولة، يعود السبب في ذلك إلى أن عملية إصلاح الجيش، على النقيض من تصورات وتوقعات القوى الثورية في اليمن، أكثر تعقيداً بكثير من مجرّد التخلّص من بعض الأشخاص على وجه السرعة وإعادة الوحدات المنتشرة حالياً في جميع أنحاء العاصمة اليمنية والمدن الرئيسة إلى ثكناتها.. إذ ستكون عملية الإصلاحات العسكرية في اليمن طويلة تسير جنباً إلى جنب مع التقدم في مجال الاقتصاد الوطني والابتعاد عن الاعتماد على الإدارة عبر الصراع، وهي المقاربة التي اعتمدها اليمن خلال العقود الثلاثة الماضية على صعيد سياسة المصالحة وبناء الدولة... لقد تركزت قرارات رئيس الجمهورية بهيكلة الجيش على عدة محاور هامة وهي:
• استكمال ترتيب الهيكل التنظيمي للجيش بعد إقالة شقيق الرئيس السابق/ علي عبدالله صالح من قيادة القوات الجوية والطيران وهي الخطوة التي كانت تعد في نظر الكثيرين أنها ذات مغزى وبعد سياسي وعسكري قام بها هادي في وقته تمهيداً للبدء في الهيكلة العامة .
• إلغاء قوات الفرقة وقوات الحرس من تشكيلات القوات المسلحة وإنشاء بديل، عنها قوات حماية الرئاسة، الأمر الذي سيجعل قيادتهما من قبل طرف واحد وأهداف إنشاء تلك القوة هو للحفاظ على تماسك ووحدة الأمن العسكري للبلاد .
• مجموعة الصواريخ من الاحتياطات الإستراتيجية وكانت ضمن الحرس الجمهوري، حين تم إنشاء الحرس أسس من مجموعة المدفعية ومن مجموعة الصواريخ، ليتوسع بعد ذلك، حيث أن مجموعة الصواريخ مهامها إستراتيجية ولا تستخدم إلا بقرار القائد الأعلى وهي الآن لم تعد تابعة للحرس, حيث صارت كاحتياط استراتيجي خاضعة للقائد الأعلى للقوات المسلحة.
• تنامت القوة المسلحة للقبائل مع مرور الزمن، ولكي يصبح الجيش عامل تحديث ويتمكن من دعم الدولة، يتعيّن على الحكومة المركزية أن تتولّى السيطرة الكاملة على القوات وأن ترسّخ ثقافة تنظيمية وسياسية جديدة داخل الجيش، يمثّل الجيش المخزون الأكبر للسلطة القبلية في البلاد، فالأغلبية الساحقة من جنود وضباط الجيش هم جنود في النهار ورجال قبائل في الليل، ولا يتمتّع القادة الكبار في مختلف وحدات القوات المسلحة في البلاد بأي نفوذ، إلا إذا كانوا يحظون بدعم من السلطة القبلية، أو كانت لهم روابط عائلية وثيقة مع النظام الحاكم، ففي الجيش اليمني شخصية المرء هي التي تحظى بالمكانة الأبرز، لا رتبته العسكرية.
• ويؤدّي افتقار الجيش إلى التنظيم والانضباط إلى تعقيد الأمور بدرجة أكبر، فبعض كبار الضباط، على سبيل المثال، هم في الوقت ذاته شيوخ لعشائرهم ورجال أعمال، وهذا يدلّ على عدم وجود سيطرة داخل المؤسسة العسكرية، ما يسلِّط الضوء على الصعوبات التي تواجهها الحكومة المركزية في بسط سلطتها على قوة موحَّدة.. وبالإضافة إلى ذلك، يُعتبر الجيش اليمني أكبر جهة تؤمِّن الوظائف في البلاد. وتقدَّر ميزانية الدفاع بنحو 40-45٪ من إجمالي ميزانية الحكومة.
• من شأن أي تحوُّل إيجابي في العلاقة بين الدولة والجندي أن يساعد في وضع حدّ لذلك القران القديم القائم على دوافع سياسية بين الجيش اليمني وقبائل المرتفعات الشمالية. إحدى الخطوات التي يمكن أن يتّخذها اليمن في هذا الاتجاه تتمثّل في ضمان ألّا تكون المناصب العسكرية الرئيسة والترقيات محجوزة، كما جرت العادة في السابق، لأفراد عشيرة أو قبيلة أو اتحاد معين. ويمكن للدولة أن تستثمر أيضاً في إيجاد فرص عمل للشباب ضمن المحافظات القبلية الشمالية والشرقية من البلاد بغية إضعاف الجاذبية التي يتمتّع بها الجيش، ولتهدئة الصراع الدائر على السلطة داخل المؤسسة العسكرية، الأمر الذي يمنع الحكومة المركزية من توحيد هذه القوة بشكلٍ فعلي، يجب على الدولة معالجة تموضع القوات العسكرية داخل البلاد.. كما يجب تغيير مواقع الثكنات العسكرية بشكلٍ يضمن عدم حصول وحدات معينة على قدرٍ أكبر من السلطة والسيطرة مقارنةً بالوحدات الأخرى، ويجب ألّا تكون هناك قوة تتمتع بموقع إستراتيجي أفضل من الأخرى، كما يجب إعادة إرسال القوات المنتشرة في جميع أنحاء البلاد، والتي تساهم في عسكرة الحياة العامة، إلى ثكنات جديدة خارج العاصمة.
أخيراً يجب على أحزاب المعارضة والقوى الثورية في اليمن أن تدرك أن إعادة هيكلة وإصلاح الجيش ليست طريقاً باتجاه واحد، فالسلطة المدنية على الجيش تتطلّب وجود مؤسسات مدنيّة قوية وفعّالة وسريعة الاستجابة، بحيث تكون قادرة على جعل دور الجيش يقتصر على حماية الدولة من التهديدات المحدقة بالأمن القومي.
فهد ناجي علي
الهيكلة.. الطريق إلى يمن جديد 2343