مثلت اندلاعة ثورة التغيير الشبابية في اليمن اختباراً حقيقياً للنتاج الإنساني الذي عمل المربون بكافة أطيافهم ومواقعهم على مدى ثلاثة عقود لتكوين ثقافته, وخلق توجهاته, وتعبئة فكره, وشحذ همته؛ ليصبح جيلاً فاعلاً, منتجاً, مبدعاً, خلاقاً وإيجابياً, ومدركاً لأهمية دوره في صنع يمن جديد وصياغة زمن مختلف يحيا فيه الحياة الكريمة التي ينشدها بنو آدم على هذه الأرض.
فهل نجح المربون في الامتحان؟ وهل هذه الأفواج المائجة من الشباب الذين عبأوا الساحات وساروا في الطرقات وقطعوا المفاوز لنيل استقلاليتهم وفرض وجودهم ووضع بصمتهم على الحياة هم النتاج الطيب الذي ننشده جميعاً؟ وهل أدوا ما يجب عليهم تجاه وطنهم وأمتهم على الوجه الأمثل؟..
ما نراه الآن وبعد مضي قرابة العامين على اندلاع ثورة التغيير الشبابية أن ما جناه الوطن من هذا النتاج البشري ليس ما يليق به كوطن أصيل عريق ذي حضارة إنسانية ضاربة في القدم شهدت على مدى الأزمان بعظمة شعب هذه الأرض الطيبة.. (ومع تقديري الشديد لجهود شبابنا الثائر الصادق المعطاء الحسن النية المحب لوطنه).. غير أنا افتقدنا الإنسان اليمني المبدع بالفطرة والذي شاد حضارة سبأ ومعين ووو...
والذي أثبت قدرته على العيش والبقاء والبناء والإضافة للتراث البشري في بيئات صعبة شهدت بصلابته, كما أن تنوع الثقافات في اليمن دلل وعبر الأزمان على الزخم الإنساني المتفرد في الشخصية اليمنية, حيث ظهرت قوتها جلية في دولة ومجتمعاته المتتابعة على مدى العصور.. هؤلاء هم اليمانيون ..وهكذا كنا.. وعيشنا البائس بهذه الحقبة المظلمة من تاريخ وجودنا على أرضنا, مطحونين بين مطرقة وسندان الفساد والوصاية القهرية وتسلط شراذم من شيوخ قبائل ومتنفذين وبائعي الولاء علينا, لهو عيش مهين ومذل ولا يليق بنا..
نحن شعب عظيم وصنّاع حضارة, نستحق الاستقلال والانفراد بثرواتنا وحكم أنفسنا, فلماذا يحكمنا أصحاب مذهب التبعية للغير؟.. لسنا قصراً ولا معوقين ولا مجانين.. فأين هو الخطأ؟..
حتى سنوات قريبة كان الشاب اليمني مرتفع الوعي, مقبلاً على القراءة والتعلم بحب وكان شغفه للمزيد من المعارف لا يخبو, وكان تواقاً للمعالي, باذلاً أقصى الجهد في طلب الترقي والتميز.. ثم حدثت له انتكاسة في العقدين الأخيرين قبل الثورة الشبابية.. فدب في مجتمعنا الوهن, يوم نخر السوس في الفئة التي تعد عصب الحياة في المجتمعات, ومعول البناء وشريان الطاقة..
ومن أهم الأسباب لهذه الانتكاسة: تردي مستوى التعليم وكذا ضعف الأداء التربوي من المعلم الرسمي بسبب اكتظاظ الصفوف في المدارس بأعداد هائلة, وضعف المنهج الدراسي الذي أفرغ من محتواه وانعدام المواد المصاحبة المنصبة في بناء الذات, وتعزيز القدرات, واكتشاف المواهب, وتعليم المهارات..
ومن الأسباب المؤثرة كذلك: عزوف الشباب عن القراءة, وانصراف المربين المتجردين عن توجيه الشباب واحتوائهم في حلقات ثقافية تربوية توعوية, حكومية ومدنية منظمة في الأحياء ومؤسسات الدولة ومؤسسات المجتمع المدني ومراكز الرياضة.. وذلك بسبب انهماكهم في طلب لقمة العيش ومواجهة الغلاء الفاحش بعد الموجات المحرقة التي ضربت بسعيرها الطبقة المتوسطة في المجتمع وألحقتهم بركب الفقراء بجرعات تتلوها جرعات من تجويع الشعب.. وسبب آخر وهو الانفتاح الإعلامي وغزو الفضائيات, تلته تقنية النت التي قضت على البقية المتبقية من همة الشاب اليمني في طلب الترقي وانتهال العلوم النافعة ورفع مهاراته في كافة الجوانب, بسبب تناول جيل الشباب لها بسلبية لجهل الأهل بها وضعف توجيههم ورقابتهم.. ثم لا حظنا تفشي ظاهرة مضغ القات بين الشباب المثقف ونشوء عادات سيئة مصاحبة لها مثل السهر لساعات طويلة مع الشيشة والنت والفضائيات..
وعامل آخر زاد الطين بلة " العشق والمعاكسات "عبر الجوالات .. بسبب تأخر سن الزواج بين أوساط الشباب والعنوسة لدى الفتيات التي خلقتها الأزمة الاقتصادية وعوامل اجتماعية أخرى ..
وهذه النوعية من جيل الشباب الهش الشخصية والضئيل الفكر والثقافة الذين أفرزتهم الأزمات المتتالية على الوطن في العقدين الأخيرين, يمثلون الأغلبية بين الشباب الصاعد وهم الجموع الذين اكتظت بهم الساحات..
وأما الشباب الأكبر سناً من أبناء الثلاثينات والأربعينات فليسوا براء.. فقد لمسنا في شخصيات غالبيتهم عيوباً قاتلة مثل التبعية والتعصب الجاهلي إما للحزب أو القبيلة أو.. وكذا الطاعة العمياء والتقديس للرموز..
فإن سألت نفسك يوماً بمرارة: لماذا ثورتنا لم تؤت أكلها كما كنا نحلم؟ولماذا أضحت اليمن مجرد ملف يباع ويشرى في سوق السياسة المقيت؟.. فتأمل ملياً فيما قلته وانظر حولك.. اذهب للساحات لترى من يقودها وما وقودها وستعرف الإجابة وتدرك بأن ثمة خللاً كبيراً لا بد من إصلاحه في الذات, في الإنسان الصانع للحياة..
كرسنا كل الجهود لنخرج أمواجاً من الأتباع معصوبي العيون, مكبلي الإرادات, ضئيلي الوعي, فكانت النتيجة خيبة أمل كبرى.. والنصر يحتاج أمواجاً من الشخصيات القيادية الواعية الفاعلة التي تمناها عمر فقال: وددت لو كان لي مثل جبل أحد رجالاً كفلان وفلان من الصحابة الأفذاذ..
الشخصية المنقادة المطواعة السطحية التفكير, الهشة التكوين, الفقيرة المضمون, تسعفك في جولة أو جولتين ولكنها لا تصنع نصراً ولا تبني وطناً.
نبيلة الوليدي
عفواً ياسادة: فشلتم في الاختبار!! 1962