;
أ.د. محمد احمد السعيدي
أ.د. محمد احمد السعيدي

الثورة الشبابية.. كيف تتحول إلى قصة نجاح 2087

2012-12-19 09:01:05


مع نهاية القرن الثامن عشر وفي عام 1789م تقريباً بدأ زخم الثورة الفرنسية يكتسح الأقطار المجاورة لفرنسا مهدداً أنظمتها من إيطاليا إلى هولندا وبدلاً من أن يتولد عنها تحول دستوري سلمي يفرز نظاما سياسياً أكثر تمثيلاً للشعب،فقد اقتاتت هذه الثورات على جسدها وتمخض عنها ظهور قيادات انتهازية،وغوغاء ساخطة وعنف وحرب امتدت لتشمل الساحة الأوروبية بأسرها.
ونتيجة لذلك فقد ردت السلطات الحاكمة على إختلاف أنظمتها من بريطانيا جورج السادس حتى روسيا القيصرية، بقمع تلك التيارات الثورية وأما الأصوات المعتدلة فقد وجدت نفسها كما هو شأنها دوماً بين فكي كماشة هما : ازدراء اليسار وتهديد اليمين.
وبينما أفلتت بريطانيا أو تجاوزت أو تخطت الواقع المأساوي بثلاثي الثورة الزراعية والهجرة والثورة الصناعية، فإن الآمال التي عقدت على الثورة الفرنسية الأولى قد تلاشت تحت وطأة الإرهاب والارتداد ومن ثم البونابرتيه..
فقد توزعت جموع غفيرة من الشباب والنشطاء والرجال الساخطين والمحبطين على وحدات الجيوش التي توجهت خارج فرنسا،حيث لقي الكثير منهم حتفهم في ساحات القتال أو بسبب المرض.
وهكذا مارست حروب التوسع الإقليمي دورها التقليدي كمتنفس للنمو المفرط في السكان والتوتر الاجتماعي والإحباط السياسي، بالرغم من فشله على المدى البعيد في مجارات الإبداع التكنولوجي والنمو الاقتصادي والتوسع الاستعماري الذي شكل طوق النجاة للنظام البريطاني.
إن المسببات أو العوامل الدافعة للثورة العربية السلمية أو ما عرف(بالربيع العربي) لم تبعد كثيراً عن تلك المشكلات التي شكلت الطاقة الدافعة للثورات الأوروبية في نهاية القرن الثامن عشر والمتمثلة في الانفجار السكاني واشتداد الضغط على الأرض الزراعية والاضطراب الاجتماعي والإحباط السياسي من جهة ومدى قدرة التكنولوجيا على زيادة الإنتاج والتخلص من المهن التقليدية من جهة أخرى.
ربما ينحصر الفرق في أنها اليوم أكثر حدة وعنفواناً أو عدم توازن، إذ أن الانفجار السكاني في بلداننا اليوم هو أشد وأكثر عنفواناً عما كان في أوروبا في القرن الثامن عشر.
 بينما نشهد في عصرنا هذا انفجاراً معرفياً في حقول شتى من التكنولوجيا والإنتاج نسمع عنه أو نشهد آثاره دون أن نتمتع بنتائجه أو فوائده، لأنه ببساطة يحدث في الشمال الغربي بعيداً عنا في بلدان متقدمة.
فسهولة وسرعة وتعدد وسائل نقل المعرفة قد مكن الأغلبية العظمى من مواطني العالم الثالث من المقارنة مع الدول المتقدمة والإلمام بالحد الأدنى من المستوى البائس الذي يعانونه جراء الفجوة المعرفية والاقتصادية التي تعاني منها بلدانهم وعوامل استمرارها المدعومة بمنظومة سياسية واقتصادية واجتماعية متخلفة ضاربة الجذور.
لقد بلغ الفساد في أنظمتنا السياسية حداً لم يبعدنا عن الأمم القادرة على تسخير العلوم والوسائل الحديثة لمصلحتها فحسب، بل صرنا نصنف ضمن الدول التي بلغت مرحلة من الفشل إلى حد لحقها الضرر من جراء عدم استعدادها للاستجابة للمتغيرات التكنولوجية والثقافية والسياسية.
يصعب أن نتخيل أن تقوم قوى التخلف التي ثار الشعب اليمني ضد هيمنتها وتسلطها بمجرد التفكير بالإقتداء بالطريقة أو النهج البريطاني أو حتى الفرنسي في مواجهتها أو حربها ضد الثورة الشعبية الشبابية.. السبب ببساطة يعود لكونها لا تملك الوسائل المادية ولا الفكرية ولا التكنولوجية ولا السياسية التي تتيح لها ذلك،فهي تعلم أكثر من غيرها أنها تعدم أبسط الوسائل، فقد أحرقت كل السفن التي كان من الممكن أن تعبر بها بالشعب اليمني إلى ضفة القرن الواحد والعشرين أو حتى الوصول إلى مشارف القرن العشرين، بل إنها قد قضت على كل ذرة أمل بإجهازها على كل مكونات البنية التحتية للنهضة سواء منها المادية أو الأخلاقية المعنوية..
البديل الوحيد أمامها في حالة اختارت استمرار المقاومة للثورة هو ما تفعله الآن ويتمثل في إغراق البلاد في بحر من الصراعات التي قد تظهر وكأنها مناطقية أو قبلية أو سياسية أو اجتماعية أو دينية، ولكنها في جوهرها تهدف إلى تشتيت الزخم الثوري وإلهاء الثوار في صراعات جانبية وتدخلهم في نفق مظلم يشعرهم بالإحباط ويرخي أوتار حبال الثورة الشعبية لتصبح بما تحمله من أهداف وطموحات مجرد طارئ ثانوي يمكن إزاحته جانباً..
طبعاً كل هذا لم يكن ليتحقق بدون الوقت وهو ما حصلت عليه هذه القوى من جراء التسويف والمماطلة ووضع العراقيل أمام تنفيذ المبادرة الخليجية.
أهم مكسب لقوى التخلف هذه حتى الآن أنها تمكنت من نزع فتيل الثورة أو بمعنى آخر أنها أزالت الفعل الثوري الذي يفترض به اقتلاعها من جذورها وحولته إلى مسار للإصلاح أو للتغيير التدريجي الذي قد يمنحها فرصاً عديدة للنجاة، باعتبار أن" الضربة التي لا تقصم الظهر تقويه".
لا يمكننا إنكار عظم المنجزات التي تحققت لشعبنا بفضل الثورة الشبابية الشعبية حتى اليوم،ما كان لأي مراقب سياسي ليتخيل حدوث شيء منها قبل أيام من الحدث العظيم وبمقاييس أو معايير ما قبل الثورة ومع ذلك فإنها لا تمثل شيئاً يذكر وفق معايير الراهن (الربيع العربي).. أما بالنسبة للشباب الثائر فقد شكلت خيبة أمل أصابتهم بالذهول إلى حد عمقت الهوة بينهم والجيل الذي يقود الدفة وبالتالي فبقدر ما عمل الوقت حتى الآن لصالح قوى التخلف فإنه بالمقابل قد شكل عامل إحباط كبير لقوى الثورة.
والحقيقة أن هذه العوامل قد تركت أبلغ الأثر على مسار الثورة، حيث أصابت ما يمكن أن نسميه بأوتار الشد الثوري بالوهن، فأضعفت أهم مرتكزات النضال أو قلبها النابض وأغرت أو أغوت بعض مكونات الثورة وبالذات تلك المنظمة في أطر من نوع ما (سياسي أو غير سياسي رسمي أو غير رسمي)بتوجيه اهتمامها من الفعل الثوري الجماعي إلى ما يمكن تسميته بالفيد الفردي أو الوصولي باستعجال الحصول على أكبر مكاسب آنية ذاتية لهذه الأحزاب أو الجماعات،ولو كانت على حساب أهداف الثورة الشبابية الشعبية ذاتها.
هذا الأمر أدى إلى تنامي مشاعر انعدام الثقة والتنافس والتناحر والتفكك، بل وإلى صراع بين بعض مكونات أو رفاق العمل الثوري وتزايد الشك والريبة فيما بين هذه المجاميع وحلت الانتهازية في الكسب غير المشروع لصالح الحزب أو الجماعة محل الفعل الثوري الجماعي لاستعادة الوطن وكرامته المسلوبة وبناء يمن جديد يسوده العدل والمساواة والحرية في ظل نظام ديمقراطي حر يكفل الحياة الكريمة لكل أبنائه.
حينما يصل الأمر إلى هذا الحد تتغلب مصالح الإنفراد للتيارات والجماعات على المصلحة العليا للوطن وبالتالي فهم يتصرفون وكأنهم غير معنيين بالتحقيق الفوري لأهداف الثورة بقدر اهتمامهم بتقاسم الغنائم أو المكاسب الآنية والتي قد تصبح شيئاً من الوهم إذا لم تتحقق أهداف الثورة.. إذا ما أستمر الوضع على هذا النحو ستنخفض المعنويات إلى حد قد تفقدهم احترام ذواتهم ويزداد شعورهم بالإحباط وهو أخطر وضع يمكن أن يهدد الثورة الشبابية، إذ أنه مع ارتفاع المعنويات تهون الصعاب ويصبح كل شيء ممكناً.
هذا الوضع المأساوي الذي نعاني منه ما هو إلا نتاج طبيعي للبيئة أو المناخ الاستبدادي الدكتاتوري الموروث، فالنظام الاجتماعي والسياسي الدكتاتوري الاستبدادي المنغلق الذي عانى منه شعبنا يفضي إلى مثل هذه الأوضاع، لأنه لا ينتج عنه إلا أشخاص غير مبدعين وحتى لو توفر قلة من المفكرين والقادة المبدعين في مجتمع كهذا، فإن النظام سرعان ما يحبطهم بوضعهم ببيئات تكبت ملكات خيالهم وقدراتهم الخلاقة وتحولهم إلى أتباع خائبين يغشاهم الخذلان والجمود والإحباط واليأس.
إذا ما أضفنا إلى ذلك أن النظام السابق رغم أنه في الرمق الأخير، إلا أنه لم يصل إلى مرحلة اليأس بعد،بل إن المتبقي من فلوله يعمل على جمع كل ما تبقى له من قوة وتسخيرها لإحباط الثورة ووضع صنوف العراقيل أو المعوقات أمامها.. إذا ما أدركنا ذلك سنعرف حجم وعظم التحديات التي تعيشها قوى الثورة الشبابية.
ما العمل ؟
 يجب أن يعي الجميع أن وطننا بل أمتنا كلها تواجه تحديات جساماً وأنه ما من أمة من الأمم التي شهد لها التاريخ بالارتقاء إلى أعلى مراتب الحضارة قد أصابها ما أصابنا من تدنٍ وهوان، ويتحتم علينا جميعاً أن نسخر كل ما لدينا من المخزون الإبداعي الهائل الذي يتوفر لدى أفراد أمتنا إذا ما أردنا أن يكون لنا مكان تحت الشمس وأنه إذا ما قدر لنا أو إذا عزمنا الأمر على خوض معركة الشرف والكرامة هذه فليس أمامنا إلا بديلاً أو طريقاً واحداً يجب أن ننهجه يتمثل فيما يلي :
1-   على الجميع أن يدركوا أن الثورة لازالت في مراحلها الأدنى وبالتالي يجب عدم التسرع في التهافت لجني الأرباح أو حصد المكاسب الفردية الآنية وعوضاً عن ذلك على الجميع أن يكرسوا كل الطاقات للإسراع في إنجاز أهداف الثورة دونما إبطاء،فلا شيء أخطر على الثورة من ضياع الوقت.
2-   علينا جميعاً التخلص من مشاعر انعدام الثقة وإيقاف كافة الاتهامات ومظاهر التوجس واحترام كل من شارك بالثورة بغض النظر عن نوع مشاركته،وتقوية أواصر الود والمحبة حتى مع من لم يشارك بالثورة مادام لم يعمل ضدها، بل وفتح حوار جاد مع من وقفوا ضد التغيير احتراماً وإجلالاً لأهداف الثورة والترفع إلى مستوى سمو أهدافها، باعتبار أن الكل شركاء بهذا الوطن، وبإمكانهم إذا ما تم توعيتهم أن يعطوا بسخاء أو على الأقل أن لا يكونوا معاول هدم وإحلال مبدأ العدالة محل الانتقام في التعامل مع من أجرموا في حق الوطن.
3-   أهم ما يميز أي ثوره أنها تنتصر للشعب، أي أنها ترتكز على استجابة لتحدٍ ما ورد فعل له.. فإذا وهن هذا العامل ضعفت المعنويات ووهنت قوى الثورة ولهذا يجب الحفاظ على التحدي في أعلى مستوياته حتى يبقى الزخم الثوري عالياً، فالسهم لا ينطلق مسرعاً إلى هدفه إلا عندما يبلغ التوتر الناتج عن الشد أقصاه ولا يبلغ الشد أقصاه إلا في ظل معنويات عالية وهو أمر لا يتم إلا في مناخ ديمقراطي حر يزيل التسلط والاستبداد والإقصاء.
4-   إحلال روح التعاون البناء محل الاختلافات والتنافس التناحري الهدام حتى يكون الاحترام المتبادل والغايات المشتركة والجهود الموحدة المتضافرة سمة لازمة للمجتمع.
5-   عدم الانجرار إلى معارك جانبية مع دول الجوار أو أي طرف في المجتمع الدولي حتى لا تنشأ فيها قوى تعمل على التآمر لإحباط منجزات ثورتنا وتضييق الخناق عليها كما حدث في أوروبا في القرن الثامن عشر.
6-   لقد حان الوقت لإحداث تغيير جذري في أسلوب تعاملنا وتناولنا مع كافة القضايا وذلك بالتخلص النهائي من الأنانية المفرطة ونستبدلها بالعمل الجماعي التعاوني البناء وذلك بإيجاد مناخ ينمي في النفوس روح الإيثار والسماحة والتعاضد، مناخ تسوده(نحن)بدلاً عن(أنا).. علينا أن نؤمن أن (البناء الجماعي) أكبر بكثير من مجرد فكرة تقال، بل إنها إستراتيجية عملية مضمونة وقادرة على تحويل مسار ثورتنا وحياتنا إلى مستويات جديدة متقدمة من التحصيل والإنجاز وأكثر من ذلك فهي تشكل روح الثورة وقلبها النابض، بل وسر نجاحها وأكبر ضمان لنجاحها.
لقد علمنا التاريخ أن عمليات الإقصاء لجماعات أو أفراد غالباً ما تجر المجتمع إلى هاوية التمرد والتشرذم والانعزال وأن قيام أي طرف بالاستحواذ على السلطة مستنداً على قوة عسكرية ومجموعة من المعتقدات يفرضها على الآخرين لابد أن ينتهي به الأمر إلى الهلاك وأي عملية كبت لتطلعات الشعب لابد أن تؤدي إلى التشرذم والتخلف.
إن الأمم التي ارتقت إلى أعلى سلم التقدم وبنت أعظم الحضارات، إنما تكمن قوتها في أنها أمة يعمل أفرادها معاً يداً بيد بعزيمة لا تلين وبأعلى مستويات الثقة المتبادلة وبمنتهى النزاهة أو الاستقامة الشخصية وبشعورهم الجارف بالمصير المشترك (فيد الله مع الجماعة) و(خيط من الحرير لا يصنع حبلاً، ولا شجرة تصنع غابة) و(عندما يتحد ثلاثة أشخاص ويعملون كرجل واحد يتحول التراب إلى ذهب).
7-   الإيمان بمجموعة القيم والمسلكيات الضرورية لإقامة دولة النظام والقانون وبالأخص التركيز على ما يلي :
أ- الإلتزام بالحق في الحرية والعدالة وتكافؤ الفرص.
ب- الاعتراف بتباين مواقف ومصالح الأفراد والجماعات.
ج- حق كل الأفراد في المشاركة بالحكم وإبداء الرأي.
د- حق كل جماعة أو فرد في الترويج لأفكارهم والدفاع عن مصالحهم بالوسائل القانونية.
وأخيراً يجب أن يعي الجميع أن عجلة التغيير قد دارت ولن تعود إلى الوراء، كما أكد عليه فخامة الأخ رئيس الجمهورية المشير/عبد ربه منصور هادي، وأنه ليس هناك طريق أسرع من الثورة الشبابية لتجاوز جاذبية التخلف وتأهيل بلادنا للولوج إلى القرن الواحد والعشرين وعلى الجميع أن يسرع الخطى لإنجاز أهداف الثورة، فالوقت من ذهب.
كما أنه على الشباب ألا يسمحوا بتضييع المزيد من الوقت وأن يسارعوا الخطى لإنجاز أهداف الثورة.. ونظراً لخطورة هذا العامل عليهم أن يقوموا وبأسرع ما يمكن بوضع رؤية واضحة وإستراتيجية طويلة المدى للعمل الوطني وخطط عملية مرنة لضمان تحقيق أهداف الثورة وعدم انحرافها لأي سبب كان عن إيصال مجتمعنا إلى غاياته المنشودة..
كما أن عليهم أن يبذلوا كل جهد لمنع اختطاف الثورة من قبل أي قيادات انتهازية والحيلولة دون إقحام الثورة في الانجرار وراء أي أعمال غوغائية أو انتهازية تؤدي إلى العنف.
 

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

أحمد عبدالملك المقرمي

2024-11-29 03:22:14

نوفمبر المتجدد

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

سيف محمد الحاضري

2024-10-14 03:09:27

القضاء المسيس ..

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد