عندما ترتخي قبضة الدولة ويضعف الأمن يبرز دور السفهاء، هذه الظاهرة ليست حصرية على بلادنا وإنما تأتي طبيعية عند حدوث التحولات وسقوط نظام وقيام بديل عنه خاصة عندما يكون النظام الساقط نظاماً تسلطياً.
مالا نفهمه اليوم هو استمرار غياب دور الدولة والأجهزة الأمنية التي لابد لها من التحرك السريع لوضع حد لدور السفهاء الذي بدأ يتسع ويستشري بدلاً من أن يتقلص ويغيب، خاصة مع نجاح الثورة الشعبية الشبابية السلمية في تحقيق أهم أهدافها النبيلة وهي إسقاط الرئيس السابق ومغادرته كرسي الحكم بعد ثلث قرن من الإدارة المتخلفة لبلد كان من حقه أن يكون في وضع أفضل بكثير مما هو عليه الحال اليوم.
أخطر ما يواجه ثورة التغيير السلمية في بلادنا ليس فشل الحوار مع ما سوف يحمله هذا الفشل من مخاطر ولا الإسراع في هيكلة الجيش والأمن، رغم أن تأخير هذا الأمر له عواقب سيئة على الأوضاع بشكل كبير في البلد ومن ذلك استمرار الفساد العام في أكبر مؤسسة وطنية.. أقول: لا يهم كل ذلك طالما والثورة مستمرة ومعنويات الثوار عالية، لكن الذي لا يمكن السكوت عنه هو بروز التحدي السافر والأخطر للدولة وللأنظمة والقوانين من عصابات السفهاء الذين يتكاثرون كالجراد ويعملون على إغراق البلد في فوضى مخططة ومنظمة مدفوعة الأجر مرسومة الأهداف وصولاً بالناس إلى اليأس والإحباط الشديد من التغيير الذي أحدثته الثورة ولن تحل الانتخابات القادمة إلا والكل باصم بالعشر الأصابع أن التغيير كان كارثة والعودة للحق فضيلة.
هذا ما يسعى له النظام الساقط ويعمل له ليل نهار بدون كلل ولا ملل، مستخدماً جيشاً من السفهاء والقتلة والمجرمين والخارجين عن القانون لتركيع الثورة الشعبية السلمية، فهو جاد في هذا المسعى وما الظواهر الغريبة والسلبية التي ترونها في الشوارع والأسواق والحارات والمدن وتسمعون عنها مثل قطع الطريق ونهب المواطنين وقتل الأبرياء والهجمات المتكررة على المصالح الخدمية مثل الكهرباء والنفط والغاز والبنوك والإعلام المضاد وجحافل الفوضى المسلحة التي تجوب العاصمة والمحافظات.. كل هذه مؤشرات واضحة أن الثورة المضادة تقوى ولا تضعف وهذا جرس إنذار وأخطر تحد تواجهه قوى التغيير التي إن جمعت أمرها قضي على أحلام الفاسدين والفاشلين والمستبدين وإن تفرق أمرها دفعت الثمن غالياً ودخلت البلاد في فوضى عارمة وساد السفهاء الجدد.
فيا رئيس الجمهورية وحكومة باسندوه أستحلفكم بالله أن تضربوا بيد من حديد وبالقانون على كل من يعمل على إسقاط هيبة الدولة وينتهك القوانين حتى وإن كان سائق تاكسي عكس الشارع أو قطع إشارة المرور.. فهل فهمتم التحدي الأخطر ما هو؟.
عبد القوي القيسي
التحدي الأخطر 1839