في كتابات سابقة حاولت اختصار الطريق الطويل المحفوف بالألغام والمطبات، كانت الفكرة هي التمسك بدستورنا العظيم الذي يعتبر من أرقى وأروع دساتير العالم، وهدفت إلى التقليل من شأن المبادرة الخليجية التي لا تعدو كونها اتفاقاً سياسياً إذا تعذر تنفيذه احتكمنا للدستور، وأقصد بالدستور الذي تحرر بعد أن كان مختطفاً وتم تفعيله بعد أن كان معطلاً وعاد للحياة بعد أن كان النظام السابق قد أعلن وفاته.
والفضل كل الفضل يعود بعد الله سبحانه وتعالى لثورة الشباب السلمية، وما يدل على كل ذلك أن أول المواد التي تم تطبيقها بعد أن تحرر دستورنا هي المواد المتعلقة بمنصب رئاسة الجمهورية , والتي نصت أنه في حالة خلو منصب رئيس الجمهورية لأي سبب كان إما بالقتل أو بالعجز أو بالحرق أو بتهمة الخيانة العظمى أو بخروج ملايين الشباب إلى الشوارع ـ سمها ما شئت ـ فانه يقوم بنقل صلاحياته لنائبه الذي يتولى قيادة البلاد، بعدها يتم الاستفتاء وليس الانتخاب، استفتاءً شعبياً يعبر عن قبول الشعب لهذا النائب رئيساً للبلاد من عدمه، وبموجب النتائج أصبح الرئيس هادي الرئيس الشرعي وتنطبق عليه مواد الدستور المنظمة لفترة الرئاسة، وهي فترة كافية للْم شتات هذا الوطن ولإخراج البلاد من الأزمات الطاحنة والإرث الثقيل الذي خلفه المخلوع، وهي أيضاً فترة كافية لتتعافى النفوس المريضة من وهم أن السلطة حق مكتسب يؤول بموت الحاكم للورثة، لكن بمجرد أن تداولت وسائل الإعلام تلك الفكرة قامت الدنيا ولم تقعد وتعالت الأصوات المنددة والمرجفة وكأني كفرت بما أنزل على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.
وكأن المبادرة الخليجية التي تاهت في تطبيق أول بنودها على أرض الواقع كتاب مقدس لا يجوز مخالفته!!.
المهم أن المبادرة الخليجية أصبحت بطريقة أو بأخرى قدرنا وحظنا العاثر، والسبب يكمن في أن هذا الشعب أدمن الارتهان للخارج في حل قضاياه الداخلية وسلم إرادته لمن امتلكها وآمن بأنه شعب قاصر عديم الأهلية وخنع لسلطة الوصي الذي يتدخل في كل شاردة وواردة.
كان هنالك بصيص أمل وفرصة أخيرة لهذا الشعب ليسترد هويته وليبني دولته، دولة النظام والقانون ولنكن آدميين كباقي خلق الله، فرصة صنعها الشباب بدمائهم وأرواحهم , لكن الطبع غلب التطبع، فالشعب الذي فاق من غيبوبته مصدوماً بالملاحم البطولية التي نسجها الشباب بأشلائهم وجراحاتهم فخرج مؤيداً ومباركاً لثورة الشباب هو ذاته الذي قايض تلك الدماء والأنفس الزكية بثمن بخس بضعة دراهم معدودة أضيفت فوق المرتب وأرتضى بمبادرة عقيمة كانت يمكن أن تطبق في كل بلاد العالم باستثناء وطننا الحبيب.
لذلك، فإن النداء لن يكون بعد اليوم لشعب الفئة الصامتة، بل يوجه لجيراننا وأصدقائنا، إلى الرعاة الرسميين للمبادرة، لقد أثبتت لكم الأيام أن مبادرتكم العظيمة بنودها كانت ضحية للآلية المزمنة التي نادى بها المخلوع، فصحيح أن هيكلة الجيش والأمن مستمرة على قدم وساق، لكن وفقاً للآلية المزمنة فإنه يتم هيكلة الجيش والأمن لمقبرة الشهداء وبإشراف لجان من قاعدة الزعيم وأنصار الشرعية.
وصحيح أن مبادرتكم المصونة منحت الحصانة، فأهدرت الدماء وملكت الأموال المسروقة والمنهوبة وأمنت الفاسدين بعد أن بلغت القلوب الحناجر وحللت ما حرم الله، لتنعم عليهم الآلية المزمنة فوق كل ذلك بحصانة سابقة ولاحقة.
لقد حان الوقت أيها الرعاة ـ إن كان لا زال فيكم ذرة خير لوطن استبحتم أرضه وبحره وجوه وإنسانه ـ أن تعلنوا رسمياً وفاة المبادرة اللعينة، فقد سبقكم في نعيها المخلوع واشهد الله على ذلك في إحدى بكائياته، وأدركت القيادة السياسية أنها في مرحلة موت سريري.
والحل لما نحن فيه ولما نحن مقبلين عليه ـ وأظنه إحدى خيارات القيادة السياسية ـ هو إعلان دستوري كامل الصلاحيات يتمتع بدعم إقليمي ودولي يتم فيه الضرب بيد من حديد ويتضمن تسريح مجلس "الوبال" الذي انتهت صلاحياته وتعفنت اختصاصاته ومهامه وأصبح كل ما يصدر عنه سموماً تفتك في عضد هذا الوطن.
إعلان دستوري يفرض هيبة الدولة، ويلاحق بموجبه الفاسدون والمخربون والمرجفون والمأجورون ويطبق فيهم شرع الله.
إعلان دستوري يتم بمقتضاه عزل المتسلقين من رجالات المخلوع الذين استغلوا الأحداث وتسللوا في غفلة من الزمن والتاريخ بموجب توافق بغيض أو ممن تم فرضهم للنكاية بالقيادة الجديدة، فأصبحوا في مناصب سيادية ومراكز عليا وقادة جيش لم يحلموا أبداً بأنهم سيعتلون هذا المنصب في يوم من الأيام، تلك الأفاعي التي تشمئز نفسك وأنت تراهم يتسابقون لتقديم ولائهم لسفارات الدول العظمى، وبنهجهم الفريد والمبتكر في العبث بالمال العام والنهب المنظم، مستغلين الظروف العصيبة التي يمر بها وطننا الغالي.
فخطر تلك الضباع على الوطن أكبر وأشد، ولا مجال لإعادة النظر في اجتثاثهم لمجرد أن أحد هؤلاء ينتمي إلى قبيلة متمردة أو يعود إلى منطقة تتواجد فيها أبراج كهرباء أو آبار نفط وحقول الغاز
ذلك أن تردد القيادة السياسية في التعامل مع شاكلتهم بكل حزم وشدة معناه سيطرة هؤلاء المتسلقين على كل مفاصل الدولة.
وعندها لن تستطيع القيادة السياسية عزل أو إقالة بواب في مؤسسة أو جهة حكومية، ذلك أن البواب سيغرق وطننا الحبيب في الظلام وسنكون البلد الوحيد في العالم الذي ستروج فيه تجارة الحمير بفضل ذلك البواب الذي فجر أنابيب النفط حينها سنكون البلد الوحيد في العالم الذي سيرتبط أمنه الغذائي بغذاء الحمير.!!
إبراهيم محمد الزنداني
إعلان دستوري مرتقب يتضمن إقالة المتسلقين 1902