في المثل الشعبي يقال: "مالقوش للورد عيب قالوا له يا أحمر الخدين" وهذا ما ينطبق على موقف غالبية الرافضين للدستور حاليًّا؛ إذ إنهم لا يقدمون حججًا مقنعة لرفضهم؛ فتارةً يتعللون بافتئاته على الحريات العامة، وتارةً يدَّعون أنه يؤسس لدولة دينية، وأخرى يدعون أنه ضد المرأة والأقليات، ورابعةً أنه تجاهل تضمين نصوص معينة أو أسهب في نصوص أخرى مجالها القانون، وحين تطلب منهم دليلاً على ما يقولون فإنهم يتلعثمون، وتكتشف في النهاية أن ملاحظاتهم في الأغلب هي ملاحظات شكلية في إطار الصياغات ومدى جودتها أو مدى الإجمال والتفصيل في النصوص، وهي اعتراضات لا تصلح سببًا لرفض الدستور، وحين يعجزون عن توفير الدليل على موقفهم يكون ردهم إنه دستور الإسلاميين، وهذا بالضبط ما يعني أنه أحمر الخدين.
ولعمري لو كان كلامهم صحيحًا أن هذا الدستور بهذه النصوص القوية المعبرة عن كل فئات الوطن هو من صنع الإسلاميين؛ فهذه شهادة بكفاءتهم وقدرتهم على التعبير عن مكونات الشعب، لكن المؤكد أن هذا الادعاء أيضًا غير صحيح تدحضه المشاركة المتنوعة للقوى الليبرالية واليسارية والمسيحية في الجمعية التأسيسية منذ بداية عملها قبل ستة أشهر وحتى قبل أيام معدودة من انتهاء عملها، وتوقيعهم كتابة على النصوص الخلافية التي أثيرت في جلسات الجمعية المتعلقة بالهوية والشريعة والحريات، وهو توقيع يحاول بعضهم التنصل منه الآن ولكن أنى له ذلك؟!
لقد تضمن مشروع الدستور موادَ جديدةً تمثل نقلة كبرى على طريق التطور السياسي والديمقراطي فلأول مرة يتضمن نصًا خاصًا بمبادئ شرائع المسيحيين واليهود المصريين كمصدر رئيسي لتشريعاتهم الشخصية والدينية، ولأول مرة ينص على استقلال الأزهر وانتخاب شيخه من بين هيئة كبار العلماء وضرورة أخذ رأي هيئة كبار العلماء في الشئون المتعلقة بالشريعة، ولأول مرة ينص على المواطنة، وضمان حد أدنى للأجور والمعاشات يكفل حياة كريمة، وحد أقصى في أجهزة الدولة، ولأول مرة يضع نصين منفصلين للزراعة والصناعة وتنمية الريف والبادية.
كما تضمن المشروع نصًا جديدًا لإحياء نظام الوقف الخيري، وحين تحدث عن الكرامة التي هي إحدى شعارات ثورة يناير فإنه لم يقصرها على المواطنين فقط، بل وسعها لتشمل كل إنسان على أرض مصر، كما ألزم الجهات المعنية بإبلاغ من يحتجز بسبب احتجازه خلال 12 ساعة وعرضه على النيابة خلال 24 ساعة خلافًا لما كان يحدث من قبل، ولم يقصر حق التظلم على المحتجز أو أقاربه، بل فتحه لأي شخص، وأخضع السجون للإشراف القضائي.
ولأول مرة يكفل الدستور الجديد حق إقامة دور العبادة للأديان السماوية بنص صريح، ويكفل حق الحصول على المعلومات والوثائق والإحصائيات ومساءلة من يمنع ذلك، كما وسع حرية إصدار الصحف للأفراد الطبيعيين وبمجرد الإخطار، وأفرد نصًا خاصًا لرعاية المصريين بالخارج.
وفي مجال الرعاية الصحية ألزم جميع المنشآت الصحية بتقديم العلاج بأشكاله المختلفة لكل مواطن في حالات الطوارئ أو الخطر، وهذا يعني أن بإمكان أي مواطن تلقي العلاج في حالات الطوارئ في أي مستشفى خاص دون أن تمنعه هذه المستشفى بسبب عجزه المالي عن الدفع.
وتضمن المشروع نصًا خاصًا لتكريم شهداء ثورة 25 يناير وغيرهم من شهداء الحرب والواجب الوطني والمصابين ورعاية أسرهم، وفي مجال القضاء فتح الباب لأول مرة لاستئناف الأحكام في الجنايات.
وقلص المشروع الجديد صلاحيات رئيس الجمهورية بحيث لم يعد يمارس سلطاته التنفيذية إلا من خلال مجلس الوزراء، كما غل يده في اختيار رئيس الوزراء، إذ أصبح مقيدًا بالحصول على موافقة البرلمان الذي من حقه سحب الثقة من الحكومة أو أحد وزرائها، وله أيضًا توجيه اتهام لرئيس الجمهورية بالخيانة العظمى أو بارتكاب جناية بناء على طلب من ثلث الأعضاء وموافقة الثلثين.
لقد حرصت على إيراد بعض النصوص الجديدة التي تضمنها مشروع الدستور والتي تعد مفخرة لهذا الدستور، ويستطيع أي قارئ ومتفحص لمواد الدستور أن يكتشف المزيد من النصوص الجديدة والقديمة التي تحمي الحريات العامة، وترسم طريق حياة كريمة لكل مواطن، وهذا ما يستوجب الاحتشاد للتصويت بنعم على هذا الدستور العظيم.
اخوان أون لاين