تمر بلادنا بمرحلة فاصلة وتاريخية ومهمة ولها ما بعدها، وهو ما يعني أن المهمة والوطنية الجسيمة تجاه الوطن لا تقف عند حدود النخبة أو المؤسسة العسكرية والأمنية أو الجهاز الإداري للدولة أو السلطة القضائية أو القوة الإعلامية، بل يصل مداه إلى المواطن العادي الذي هو الرقم الفاعل في الحفاظ على اليمن، فهو العنصر الأساس في المعادلة الوطنية اليوم، فلا حياة للحوار بدون إرادة شعبية تحميه وتدافع عنه، تحميه لكي يستمر حتى ينتهي إلى إخراج اليمن من المأزق التاريخي لزمن التيه زمن النفق المظلم، وتدافع عنه حتى يحافظ على مساره في كونه منفذاً وطنياً حقيقياً للوصول إلى بر الأمان لوطن الإيمان والحكمة.
إن اليمن اليوم تعيش مرحلة مهمة من الاهتمام العالمي والإقليمي وهذه نعمة من الله تعالى، فنحن لا نعيش وحدنا بل نعيش ضمن عالم يؤثر ويتأثر، فإن تكون اليمن ضمن اهتمام العالم بما يتوافق ومصالح اليمنيين فهذا شيء رائع ويجب الاستفادة منه، وأمر آخر إن تماسك الجبهة الداخلية في اليمن كفيل بما يتيح القدرة على الخروج من المأزق التاريخي، فتماسك الجبهة الداخلية يمثل قوة حقيقية للرئيس الانتقالي
إنه وبرغم بعض المشكلات الأمنية هنا أو هناك، فإن اليمن تسترد عافيتها، فالوضع الأمني يتحسن فالأجهزة الأمنية كشفت خلايا التجسس ومنعت تهريب الأسلحة واستطاعت أن توقف المخدرات وهذا كله بفضل الله تعالى، ثم بتماسك الجبهة الداخلية ولو أن الرئيس خَّلص اليمن من انقسام الجيش لكنا قد خطونا إلى الأمام خطوات كبيرة.
إنه وبرغم الظروف الصعبة التي تمر بها اليمن.. ازداد إصرار اليمنيين على مواصلة نضالهم السلمي، وتحررت اليمن من أخطر لغم في حياة اليمن ألا وهو التفكير في البندقية، فاليمن تجاوزت التفكير في البندقية من لديه اعتراض يتظاهر سلمياً، ومن لديه مظلمة يتظاهر أو يعتصم، وبهذه الخطوة المهمة تم حصار جماعات العنف في شمال اليمن وجنوبه، وهكذا خرجت اليمن من أكبر دوامة لعب عليها النظام السابق، ألا وهي دوامة العنف وردة العنف والعنف المتبادل.
إن الخروج من دوامة العنف هو إنجاز كبير لليمن ومستقبل اليمن والحمد لله، وبهذا استطاعت اليمن أن تتجه إلى الحوار وهي مثقلة بالأمل، ومشبعة بروح التفاؤل، وعاقدة العزم على أن تعالج نفسها، وأن تسمو فوق الجراح، وإذا هنالك بعض الأخطاء في الإعداد للحوار أو التخلف في التمثيل وتوزيع النسب أو الاعوجاج، فإننا نقول إن السيل لا يُنَّجس، فالحوار بحر وليس سيلاً وبالتالي فهو قادر بإذن الله على معالجة القصور ذاتياً وإذا كان المشي يصنع الطريق فإن السير في الحوار سيوضح الأمور أكثر وأكثر وستتجه البلاد نحو صوت العقل، فالجيش لن يظل منقسماً لأنه جيش وطني وليس ملكاً لأحد، الجيش لا يورث فهو حامي اليمن بإذن الله ولن يكون غير ذلك، ورجال المال والأعمال والتجار هم جزء من اليمن وسيعملون على رد الجميل للشعب الذي جعل منهم أغنياء وتربحوا على حسابه وأثروا من أمواله وتجارتهم فيها، والسياسيون سيتقون الله في اليمنيين الذين قدموهم وجعلوهم طرفاً أساسياً على طاولة الحوار ووجهاء المجتمع ومشايخ القبائل انضووا تحت الثورة بكل إخلاص والمؤمل أن يكون لهم دور مشهود في الحوار ودعم مسيرة الحوار والعلماء برؤيتهم الشرعية سيكونون الرديف الحقيقي والأساسي وبوصلة الحياة في السير وسيقدمون النصيحة، والأكاديميون سيدرسون المشكلات ويقدمون لها الحلول، وهكذا كل اليمن ستكون طرفاً على طاولة الحوار إن شاء الله تعالى، حتى تصل بلادنا إلى مرحلة الخير وتواصل مسيرة التطور والنمو بإذن الله تعالى.
إن حوار اليمنيين قابل للحياة لأنه حوار نابع من قناعة الذات اليمنية وإذا كانت الأقدار قد ساعدت بزوال أكبر معيق لتقدم اليمن ألا وهو النظام السابق الذي كان يتلاعب بالحوار، فإننا أمام رئيس نراه مهتماً بموضوع الحوار بصورة مطمئنة، وهو يحاول أن يقود السفينة بما يخرج اليمن من وحل الأزمات المصطنعة ويحاول أن يجمع ولا يفرق، ويمتلك إرادة جسورة تعمل على حلحلة الوضع إنه بطيء ولكنه أكيد المفعول بتعبير المثل الإنجليزي، والرئيس وحكومة الوفاق معه في أغلب مكوناتها صادقة في اعتبار الحوار مخرجاً مهماً لليمن من زمن الفوضى إلى زمن النظام، من اللا دولة إلى دولة النظام والقانون، من توجيهات الفندم إلى أعمال الخطط والندوات المؤتمرات العلمية، ومن زمن الضياع والتوهان وفقدان البوصلة إلى زمن يقرأ الرئيس خطابه من ورقة بما يعني أنه يسير وفق خطة واضحة، والحوار ومؤتمر الحوار جزء أساسي من خطة النجاة.
إن الإرادة الشعبية والرسمية تسير في خط واحد، وإذا تمت الإدارة الجيدة للحوار بحيث يوضع الجميع أمام مسئولياتهم التاريخية وأن يقال للمعيق أنت باسمه، وليس بعبارة البعض يعيق الحوار، وأن يحدد الطرف المخرب من الآن حتى لا تبقى اليمن رهناً لمن يحاولون حبسها في زمن انتهى من تاريخها، أو سجنها في نفق مظلم تخلصت منه بتضحيات شهداء الثورة السلمية، الإدارة الجيدة للحوار تأتي من الآن لا تقصوا طرفاً مهما كان، ولا تحرموا اليمن من سماع صوت كل أبنائه، فاليمن للجميع وسيستمر بالجميع ـ مع ملاحظة جوهرية ـ إن الحقيقة الأساسية في الحياة أن من يظن نفسه أذكى من غيره فهو أغبى الجميع، لقد ظن النظام السابق أنه يستطيع أن يمكر بالجميع، فما كان مكره إلا مكراً بنفسه، فلا يحيق المكر السيء إلا بأهله، وحاول أن يخدع الجميع فما خدع إلا نفسه، من هنا فعلى الجميع أن يأتوا إلى الحوار بعقول تدرك أن التاريخ لا يرحم، وقلوب تعرف أن اليمن أمانة في أعناق الجميع، وأذهان تعلم أن الشعب سيحمي الحوار وسيدافع عنه.
فقد عاشت اليمن ردحاً من الزمن تم إقصاء أبناء اليمن إلى مستوى مدرس المدرسة ما لم يكن على هوى الزعيم الوهم، وشوه فيه كل القيم حيث عمد إلى تشويه قيمة الحوار بحيث أصبحت كلمة الحوار في عهد النظام السابق تعني مزيداً من الإقصاء ومزيداً من الظلم واليوم بلادنا تحتاج إلى الحكمة اليمنية المشهود لها من رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ حكمة تتمثل في مظاهر كثيرة تعنى بالحوار وبالتأكيد له وبالتعاون مع كل أطرافه ومكوناته، اليمن تستحق أن نحبها اليمن ونجعلها في حدقات العيون ومهج النفوس وسويداء القلوب.. إن اليمن تعيش بداخلنا أكثر مما نعيش بداخلها.
د. محمد عبدالله الحاوري
حوار قابل للحياة 1828