أرى البشائر تترى في نواحيها من بعد يأسٍ طغى من فعل طاغيها
نعم سنظل مستبشرين رُغم المؤامرات على الثورات ولو أن هذه المؤامرات تتكرر ويُتعجب منها! لكن ما يجري في كل البلدان التي ثارت على الظلم والاستبداد والتبعية المطلقة للصهيونية وجلاوزتها واضح كالشمس، مؤامرة تتمثل بالدعم لمجرمي سوريا، والسكوت عن كل ما يفعلون، ومراقبة إنتصارات الشعب السوري والاستعداد للتدخل السريع لإجهاض الانتصارات والاحتفاظ بعملائهم، مؤامرات تظهر في الرضى بتدمير سوريا بنية وقوة، واقتصاداً.. وليحكم من يحكم بعد إلا الإسلاميين فخطوط حمراء، والمهم في سوريا أن تدمر ويأمن الصهاينة.
ومؤامرات في مصر ظاهرة جيئ بأعداء الثورة وجلاوزة النظام السابق الساقطين في الانتخابات وسموهم جبهة إنقاذ؟ إنقاذ الفساد والمفسدين، إنقاذ الساقطين، إنقاذ التخلف لئلا يسقط فتنهض البلاد والعباد في مصر.
وشاء الله أن يكشف الثلاثة الذين كانوا مستورين نسبياً عمرو وبردع وصباحى، فقد حصدوا أصواتاً كثيرة من أصوات شباب الثورة وأنصارها اغتراراً أنهم قوميون صادقون، فكشفوا بهذا الموقف بأنهم يسيرون في فلك المكلفين بتأخير مصر وإعادتها إلى العبودية وهيمنة الفراعنة! وهيهات، هيهات، صحت الشعوب، ووعت القلوب ما ينفعها، ولفظت كل أنواع الدجل والخداع.
تتجه الشعوب اليوم لتضع بنفسها معالم المستقبل، فتسير عليها، وتختار وكلاءها الصغار والكبار، فتراقبهم وتحاسبهم كما تعمل الشعوب الأخرى.. وهي بذلك تعبر عن وعي وقناعة وإصرار على أن لا تقع فريسة مرة أخرى بأيدي أعدائها من الداخل، فإن هي نجحت بذلك، فلن تقع فريسة بأيدي أعدائها من الخارج، لأنه ما أسلمها للخارج إلا أسود الداخل الذين يتحولون في الحروب مع العدو الخارجي نعاجاً.
جاء الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في مثل هذا اليوم 10ديسمبر1948م واستفادت منه الشعوب الواعية، التي أصرت على أخذ حقها، بصرف النظر عن أصحاب الإعلان، ودروافع إصداره، فهو للعالم كله مع نواقصه، ومناقضته عملياً ممن أصدروه.
لكن الشعوب الإسلامية ـ بفضل دولها ـ قد حرمت حقوقها من قبل الإعلان وبعده، والحقيقة أن الأمة الإسلامية لا تحتاج لهذا الإعلان وأمثاله والاتفاقات التي أُلحقت به، لأن عندها من التشريع الرباني ما هو أكثر، وأعظم وأشمل، وأجمل.. واقرأ إن شئت أخي القارئ البيان العالمي لحقوق الإنسان في الإسلام، الذي أصدره المجلس الإسلامي الأعلى 1401هـ الموافق1981م بعد صدور الإعلان العالمي بثلاثة وثلاثين عاماً! وهو خلاصة يسيرة لما جاء في التشريع الإسلامي من حقوق للإنسانية كافة.
هذه الخلاصة تفوق الإعلان العالمي من حيث الأسبقية منذ1400سنة ومن حيث أنها ربانية، لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها، ومن حيث إنها ـ في جلتها ـ مفروضة لا يحق لأحد إلغاؤها، والانتقاص منها، ومن حيث شمولها وكمالها، فما من حق جاء في الإعلان العالمي من الحقوق الأساسي إلا وهو ثابت عندنا، في تشريعنا. فإذا قرأت الإعلانين وقارنت بينهما ستجد الفرق جلياً، خاصة إذا علمت أن الإعلان العالمي الشهير قد أغفل كثيراً من الحقوق للإنسان، فصار أصحابه والعالم وراءهم يلحقون به اتفاقات لسد النقص فيه فصدرت في 1966 اتفاقية سميت بالعهد الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والمدنية، والسياسية وفي 1969م اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة تكملة في الميدان الاجتماعي وفي 1976م تم التصديق على الاتفاقية الدولية لقمع جريمة الفصل العنصري؛ وفي 1981م صدر الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب، ولم تصدق عليه الدول الأفريقية إلا عام 87م وفي 1989م اعتمدت الجمعية العمومية للأمم المتحدة اتفاقية حقوق الطفل!! معنى ذلك بل هو المعروف أن الإعلان الشهير لم يتعرض لحقوق الأطفال بينما التشريع الإسلامي جعل لهم حقوقاً من قبل أن يولدوا، وأحاط الإنسان بالحقوق حتى يغادر الدنيا، فإن غادرها تكون له حقوق بعد موته يكفلها الإسلام، ويجب أن ينفذها المسلمون.
من هو الإنسان في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان؟!
لاشك أن هذا الإعلان جاء للناس كافة، وعلى نواقصه وقعت عليه الدول الإسلامية بمعظمها، والذين وقعوا كانوا مستعمرين إما لبريطانيا أو فرنسا أو إيطاليا، أما الدول الست التي كانت ترزح تحت الاستعمار الروسي، فقد وقعت عنهم الدول المستعمرة الاتحاد السوفيتي آنذاك. وتحفظت ثلاث دول إسلامية على بعض مواده فلم توقع عليه، إلا بعد أن تغير الوضع فيها، وكانت تلك الدول الثلاث غير مستعمرة، وهي دول محافظة، انتقدت بعض المواد التي تخالف الإسلام، ومن حقها بل من واجبها ذلك، فما كل تشريع دولي يفرض فرضاً، ويجب تنفيذه على كل الناس، ولينظر المستنكر لقولي هذا كم من الاتفاقات، والقرارات الدولية، ترفضها الدول الكبرى، وإسرائيل.
فما هي البشرى في هذه الذكرى؟
الحقيقة أن البشرى التي نراها اليوم هي وصول الشعوب الإسلامية ومنها الشعوب العربية إلى قناعة بأنها شعوب مكوناتها بنو الإنسان، لها حقوق وواجبات متبادلة فيما بينها، ولها حقوق وواجبات متبادلة مع الآخرين. حلت عقدة النقص، وركلت مكبليها وظالميها وبدأت تنطلق لتثبت إنسانيتها، وتعتز بما تتميز به من دين وقيم وتراث، وميراث حضاري كان له فضل على الإنسانية ردحاً من الزمن، يمكن أن يعود حين يتم الصحو من الرقود.
نستمر في الاستبشار والتفاؤل رغم المعوقات التي تصنع وتزرع بأيدينا وتعجب الآخرين.
والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
د.غالب عبدالكافي القرشي
الإعلان العالمي لحقوق الإنسان؟! 1980