;
د. مصطفى يوسف اللداوي
د. مصطفى يوسف اللداوي

البندقية هوية والسلاح كرامة 1559

2012-12-05 03:45:07


تثبتُ وقائعُ التاريخِ وسيرُ الشعوبِ وحوادثُ الأيام أن القوة تحمي الحق، وتسيجُ الحقوق، وتدافع عن القيم والثوابت والأصول، وأنها وحدها التي تمنع التغول والاعتداء، وتحول دون الفقد والضياع، فالضعفاء قد يكونوا حكماء، ولكن الأقوياء السفهاء لا يصغون إلى العقل، ولا يستجيبون إلى المنطق، ولا يعرفون وسيلةً أقرب إلى عقولهم من قبضةِ أيدٍ أقوى من قبضاتهم، ولساناً أكثر ذلاقةً وسلاطةً من لسانهم، فلا يخيفهم إلا سلاح يردعهم، أو قوةً تضع حداً لتغولاتهم، ولا يوقظهم من سكراتهم المجنونة إلا هزاتٍ عنيفة من رجالٍ أشد منهم قوة وأكثر بطشاً.
ليس في العالم مكانٌ لغير الأقوياء، ولا يوجد فيه متسعٌ للضعفاء، كما لا يريدُ سدنةُ الكون أن يكون فيه مكانٌ للفقراء، وإنما يريدونه قصراً نادياً للأغنياء والأثرياء، يعيثون فيه فساداً، ويخربون قيمه ومثله ومبادئه، وينشرون فيه رذائلهم وفسقهم، ويعممون فيه ظلمهم وغيهم، ويقضون فيه على سماحة الأديان، وطهر الأنبياء، وبساطة الإنسان البريء، النظيف الكف، الطاهر القلب والسليم النية والطوية، فهذا العالم بقيادته لا يعترف بحق الضعيف، ولا يعلن أنه معه حتى يستعيد حقه من القوي الظالم، وإنما هو مع الظالم في ظلمه، ومع القوي في بغيه، ومع الباطل في غيه، أما الضعيف في عرفهم وإن كان صاحب حق، فعليه أن يرضى بواقعه، وأن يسلم بعبوديته، وأن يقر للغاصب بما اغتصب، وأن يتنازل للص عما سرق ونهب، والقانون يحمي الظالم القوي ويؤطر له، وويلٌ لمن تسول له نفسه أن يعارض القوي، أو يقاتل الظالم المعتدي، أو يرفع عقيرته مطالباً بحقه، رافضاً التنازل عنه.
الفلسطينيون يتعرضون ـ منذ قرنٍ من الزمان ـ إلى الظلم والبغي والاضطهاد، يقتلون ويطردون، ومن أرضهم يخلعون، يبعدون ويعتقلون ويشردون، تحتل أرضهم، وتسرق خيرات بلادهم، ويحرمون من حقوقهم ويجردون من خصوصياتهم، ويعتدي على أحلامهم وتاريخهم، ويغتصب ماضيهم ومستقبل أجيالهم، ويوأدُ أطفالهم ذكوراً وإناثاً، صغاراً وكباراً، ويريدون أن يخصوا رجالهم فلا يكون منهم موقفاً يتمسك بحقوقهم، ويتمنون أن تعقر نساؤهم فلا يلدن رجالاً ولا يربين أبطالاً، فلا يلدن إلا صغاراً عبيداً لا يطالبون بحق، ولا يقاتلون من أجل أرضٍ ووطن.
العالم لم يحترمْ حقنا، ولم يقدر الظلم الذي لحق بنا، كما أنه لم يرأف لحالنا، ولم يرق قلبه لضعفنا وما حل بنا، ولم يشغل باله بما يحيف بنا، وما يرتكبه العدو ضدنا، فلا رئيس يهتم أو يتصل، ولا زعيم يرتبك أو يضطرب، ولا اجتماعاتٌ دولية تعقد، ولا هواتف رئاسية ترن وترفع، فالمظلوم هو الشعب الفلسطيني، والدم المسفوح دمٌ فلسطيني، بينما المعتدي الغاصب الظالم القاتل لا يعاني ولا يشكو، ولا يئن ولا يتألم، فجنوده في مأمن، ومستوطنوه بعيدون عن الخطر، وسكانه لا يضطرون إلى النزول إلى الملاجئ والأنفاق، وأطفالهم يلهون ويلعبون، ونساؤهم يتسوقون ويثرثرون، وطلابهم يواظبون على الدراسة ومتابعة التعليم، فلا أبواق تطلق ولا صفاراتُ الحرب تعلن، ولا حالة الطوارئ تفرض، فإلامَ التسرع والاجتماع، وإلامَ سؤال القادةِ والمسئولين بضرورة وقف إطلاق النار وفرض الهدنة والتهدئة، وإلامَ استعجال هدوء الجبهة وحقن الدماء ورحمة الصغار والنساء والعجزة والضعفاء من المدنيين والسكان.
لا شيء قد تغير في المشهد القديم سوى أن الفلسطينيين أصبح عندهم سلاح، وصار عندهم بندقية وصاروخ وقذيفة، وأصبح بإمكانهم تهديد الكيان الصهيوني ونقل المعركة إلى داخل أحشائه، والوصول إلى رأسه قبل أقدامه، وإرهاب سكانه وتخويف مستوطنيه، وزعزعة أسس كيانه وقواعد بنيانه، فقد أصبحت المقاومة الفلسطينية قادرة على إجبار السكان الإسرائيليين على النزول إلى الملاجئ، والهروب إلى الملاذات الآمنة، بحثاً عن حياة، وفراراً من موتٍ محقق، وقد أدرك الإسرائيليون أنهم لم يعودوا في مواجهةٍ مع شعبٍ أعزل، ومقاومة ضعيفة، ورجالٍ خلوٍ من السلاح والعتاد، يسحبون كل يومٍ كالخراف إلى المذبح، ليذبحوا من جديد في صباحٍ آخر، فالمقاومة الفلسطينية باتت اليوم تملك السلاح، وتملك قرار القتال، ولديها من الشجاعة والعزم ما يمكنها من إطلاق الصواريخ، وتهديد الكيان، دون انتظارٍ لقرارٍ يجيز فرض وقائع جديدة، وكتابة معادلاتٍ أخرى، أساسها الرعب وتوازن القوى، فلم يعد الفلسطيني ضعيفاً يخاف، أو منزوع السلاح يقتل، أو وحيداً يستفرد به، معزولاً لا يسمع أحدٌ بما يواجهه ويعانيه، فإن كان من أمٍ تصرخ وتولول فلا تكون فقط هي الأم الفلسطينية، وإن كان من جوفٍ في الأرض يشق قبراً ولحداً فلا يكون للفلسطينيين وحدهم، وإنما على الإسرائيليين أن يذوقوا وبال أمرهم، ويعانوا من ظلمهم وغيهم، فتشقُ الأرضُ لهم قبوراً، وتهال عليهم الرمال دفناً، وعليهم تذرف الدموعُ وتولولُ النساءُ، ويتحسر القادة والجنود، إنهم أجبن من أن يردوا عن أنفسهم وشعبهم موتاً أرادوه لغيرهم، وقدروه لشعبٍ يأبى إلا أن يكون عزيزاً، حراً أبياً كريماً.
تلك هي غزة التي تحدثت باسم الفلسطينيين جميعاً والعرب والمسلمين وكلِ أحرار الكون، ومن قبل تحدث حزب الله والمقاومة في لبنان، أن الحق تلزمه قوة تحميه وتدافع عنه، ولا قوة أشد بأساً من السلاح، وأكثر فتكاً من الصواريخ والقنابل والعبوات، فهذا السلاح الذي حمله رجالٌ يؤمنون بحقهم، ويبدون استعداداً للتضحية من أجل وطنهم، هو الذي خاض المعركة وصنع الانتصار، وحقق العزة والكرامة وشق الطريق إلى الوحدة والعودة والتحرير، فلا نتخلى عن سلاحنا، ولا نفرط في الحفاظ عليه والحصول على المزيد منه، ولنشتريه بكل ما نملك، فهو الذي به نستطيع أن نصد العدو ونردعه، وبه نواجهه ونقاتله، وبه نحقق كرامتنا ونصون هويتنا، فلنبع قميصنا ونشتري به سلاحاً، لنكون بحق نحن ورثة الأنبياء وأصحاب الحق وسكان الأرض.
كاتب فلسطيني
 

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

سيف محمد الحاضري

2024-10-14 03:09:27

القضاء المسيس ..

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد