تختلف ولاءات الناس باختلاف توجهاتهم و منطلقاتهم و مرجعياتهم الدينية و الفكرية و الحزبية و السياسية و بحسب مصالحهم الشخصية وانتماءاتهم القبلية و المناطقية و الطائفية . والولاء وهو المحبة والنصرة للفكرة والجماعة يعبر عن الانتساب والانتماء أكثر مما يعبر عنه مجرد الالتزام الشكلي بالشعائر التعبدية إذا فرغت عن روحها و مقاصدها. والمسلم الحق المتجرد له يحصر ولاءه فيما أمره ربه ,(إنما وليكم الله و رسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون * ومن يتول الله و رسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون ) ,فالغلبة في النهاية لهم مما تعرضوا له من فتن و محن ,(أن الأرض يرثها عبادي الصالحون ) والفلاح مرهون لهم في الدنيا والآخرة و بمنهاجهم في تطهير الأرض من كل ألوان الظلم والشر والفساد(ألا إن حزب الله هم المفلحون ), و لا عزة للشعوب في الرخاء والسيادة والوحدة والاستقلال والأمن إلا بذلك (ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون ) لا لمناهج منحرفة أو زعامات مجرمة ولا لعصبيات جاهلية. فالمسلم يحمل الولاء لوطنه و أرضه وأهله ولكن على أساس الولاء لله والمؤمنين وهو معنى كلمة التوحيد (لا إله إلا الله ) وعقيدة الولاء والبراء ومبدأ الوحدة الإسلامية و الأخوة الإيمانية ( لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الأخر يوادون من حاد الله و رسوله ولو كانوا آبائهم أبنائهم أو إخوانهم أو عشيرتهم ), فلا يجمع مودتين في قلبه :لله ورسوله و لأعداء الله ورسوله (فما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه ) و ذلك أنهم (أولئك كتب في قلوبهم الإيمان و أيدهم بروح منه ) ,فالإيمان ثابت في صدورهم راسخ في قلوبهم وروح الله تمدهم بالثقة و النور و الإشراق, كما قال صاحب الظلال -رحمه -الله :إنها المفاصلة الكاملة والانحياز النهائي بين حزب الله وحزب الشيطان و التجرد المطلق من كل الجواذب الأرضية والعوائق النفسية ( قل إن كان آباؤكم و أبناؤكم وإخوانكم و أزواجكم و عشيرتكم وأموال اقترفتموها و تجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الظالمين ), فجعلت كل الوشائج و المطامع في كفة, ثم رجحت عليها كفة الولاء للحق وأهله و لوازمه. لقد سقطت كل الولاءات والانتماءات المخالفة للدين والفطرة و المتبنية مناهج العنف و الإقصاء .
فانهارت الفكرة القومية لقيامها على العصبية العروبية وعزوفها عن المنهجية الإسلامية حتى قال شاعرهم :
بلادك قدمها على كل ملة ومن أجلها أفطر ومن أجلها صم
كما تهاوت الماركسية المتبنية للإلحاد والمادية والشيوعية على حد مبادئهم في( لا إله والحياة مادة ) و(الدين أفيون الشعوب ) ورجع القوم إلى ديانتهم السابقة ,إلا أن الكثير منهم أسلمت جوارحهم ولم تسلم عقولهم وقلوبهم لحاكمية الشرع (أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون ) واكتسبت دول المقاومة وحركات الممانعة ولو شيعية تعاطفاً شعبياً كبيراً بعد هزيمة الكيان الصهيوني في لبنان 2006م فما لبث حتى تجلت العصبية الطائفية الرافضية في مذابح أهل السنة بالعراق ثم بسوريا بدعم الحرس الثوري الإيراني والترسانة العسكرية والفيالق والمليشيات العسكرية من حزب الله والنظام السوري المجرم للشعب السوري الحر (وحبل الكذب قصير ).
و أما النخب الفكرية والأحزاب المتبعة لدين (النفعية )الذين يدورون مع مصالحهم المادية والشخصية, فهم يحملون بذور تعريهم من تناقضاتهم ومواقفهم المتخبطة, كالذي يجري في اليمن من الوحدة إلى ضدها ومن حزب إلى آخر, حيث يبني النفعي موقفه حسب المصلحة والذي يدفع أكثر ,كما قال البيحاني رحمه الله :
يدور مع الزجاجة حيث دارت ويلـبس للسـياسة ألـف لبــس
وعـنـد الإنـجليـز يـعد منـهم وفي باريس محسوب فرنسي
وحالهم كما قال تعالى عن المنافقين : (وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلوا الى شياطينهم....)وحذر منهم بقوله (هم العدو فاحذرهم ..).ولم يبق من تحد حقيقي إلا من العلمانيين الذين يفصلون الدين عن السياسة والدولة ويسمون المصلحين بالإسلام السياسي لدعوى أنه (لا سياسة في الدين ولا دين في السياسة ),فهل لمسلم أن يتفهم إمكانية إصلاح الحياة بغير الشرع والدين؟ !
إذا الإيمان ضـاع فلا حيـاة ولا دنيا لمن لم يحيي دينا
ومن رضي الحياة بغير دين فقد جعـل الفنـاء لها قرينا
واليوم وبعد انتصار الثورات وظهور رقم الإسلاميين, فقد تحالفت كل قوى الشر من بقايا الأنظمة والمتآمرين في الداخل والخارج على الإسلام ودعاته بغية إفشال وإرباك المشروع الإسلامي ولكن ( ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره المجرمون)
فاللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا إتباعه ،وارنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه .يا رب العالمين .
رئيس رابطة علماء و دعاة عدن
الشيخ/ عمار بن ناشر
ولاؤنا لمن؟ 2008