نعم..لم أجد مفراً من القول إنَّهم يقتُلون الثورة! وعلامات الجريمة ظهرت بوضوح هذه المَرة مشهودة من خلال تغيير نسبية التمثيل الأعلى في لجنة الحوار لصالح المؤتمـر وزعيمه الأعلى, فالأعلى يستحق دوماً الأعلى.. والذي لا تُعجبه هذه القسمة الظِّيزَى فليشرب من كُل بحار الدنيا!.. قمةُ النفاق السياسي السَّمجْ؛ ولا تُطاوعني أناملي التي تخُط هذه الكلمات تدوين هذه النِّسب, فأنا أشعر أن الأحرف قد تموت كَمداً من هول ما قد تخُطه؛ وبدأت أتساءل عن ماهية سر حصول المؤتمر على النسبة الأعلى في الحوار؟! هل - مثلاً - لمواقفه الوطنية وخضوعه للشرعية الثورية؟! هل لأنه التزم بالمُبادرة الخليجية وبالقرارات الدولية؟! هل الحزب هيكَل نفسه والتزم بنظامه الأساسي وأزاح زعيمه ليتولَّى الرئيس رئاسة المؤتمر؟ هل لأنَّ الحزب اعتذر للشعب عن جرائم قتل الثوار؟! هل لأن الحزب ألزم زعيمهُ بِرَدْ أموال الشعب المنهوبة والكَفْ عن العبث بها في دول العالم بدواعي بناء صرح المُدن الصالحية وإنشاء بنوك تُنقذ العالم من الكارثة الاقتصادية؟! هل لأن الحزب أصبح حزباً ولم يعُد أسد مَفرشه؟.. أبداً..أبـداً! هذه المُسوغات جميعها على فرض وقوعها منه جُملةً - وهو فرض خارج حدود الإمكان لأن الحزب ببساطة لم يفعلها - هذه المسوغات غير كافيةً لمنحه هذا الامتياز وتفرُّده الغير منطقي بنسبية التمثيل الأعلى دوناً عن الثوار وبقية القوى الفاعلة!..
إذاً يظلُ السؤال قائماً: ما هي مُسوغات إعلاء كعب المؤتمر وخفض جناح الثورة؟!..لابُد أن نستوعب ذلك ؛ويجب أن نعلم أيضاً من هو صاحب المصلحة الحقيقية في إحيائه وترجيح كفَّته الوجودية ليبقى حياً كُل ما شارف على الخروج من التاريخ وبدون مُرجِّح اجتماعي أو سياسي سائغ أو معقول, فالترجيح بدون مُرجّح سفهٌ عقلي!.. للإجابة على هذا التساؤل وجدنا أنَّه, بقراءة متأنية للخارطة السياسية, استبان أن حزب المؤتمر دخل مُنذ فترة طويلة في غيبوبة وطنية وأنَّه يوشك على لفض أنفاسه الأخيرة!.. وأصبح يتنفس فقط بِرئة الزعيم ودولاراته وبنادقه, وأن مصيره في عالم الأسباب مهما طال الزمن به آيل للسقوط الحتمي بعد أن وقف موقفاً مُخزياً من الثورة وحاربها بكل طاقاته وإمكانيته, مُظهراً أنه حزب بلا قِيم ولا ثوابت وطنية وأنه فاقد لأبسط مقومات مفهوم الحزب.. وأصبح الجهاز المفاهيمي الاجتماعي اليمني يربط بينه وبين مفهوم الرِّق في القرن الواحد والعشرين!.. فلا أحد في هذا التنظيم يمتلك قراراً أو يتفرَّد برؤية دون قرار أو رؤية زعيمه, وأضحى وجودهم التنظيمي لمُجرد التَّجمُّع للاقتيات والرضا بالفتات وطلب الحياة مهما كان ثمنها ولو على حساب الوطن ذاته.. الأمر الذي جعل الشُّرفاء من المُنتمين لهذا الحزب يُعلنون جِهاراً نهاراً خروجهم عليه وبراءتهم من منهجيته السياسية والفكرية بعد أن وصلوا إلى قناعة ذاتية أن الدكتاتورية بكل مستوياتها هي السائدة فيه وهي ذاتها التي ستؤدي إلى اقتراب نفُوقه؛ وبرغم هذا كله وبرغم أن الواقع قد تعدَّى هذا الحزب بإقرار مُنظميه ومُنظريه أنفُسهم, إلا أن بعض القوى السياسية التي كانت مُعارضةً له في ما مضى ما تزال تخشاه وتخشى من موته وسقوطه الذي سيؤدي من وجهة نظرها المكبوتة إلى فراغ سياسي سيملأ مكانه حتماً الثوار وآخرون مُضمرون في الغيب!.. وهنا مكمُن الخطورة المزعومة!.. مجموعةً من الشباب الثائر سيُغير الخارطة السياسية أو على أقل تقدير سيُشكل خطورةً ما عليها وقدُ يعرِّيها ويهُز وجودها الاجتماعي وكيانها الحزبي, فبات خيارها وفقاً لهذا المنطق: إن وجود هيكل مؤتمر مُحطم يشغل حيّزاً من الفراغ خير من وجود شباب ثوري غير مُلجَّم قد يملأ حقيقةً هذا الفراغ المُحتمل.. هذا جانب, ومن جانبٍ آخر: الثوار أنفُسهم وقيادتهم الثورية التي أنتجتها مرحلة الحسم الثوري هي فتره إنتاج غير كافية لنضوجهم وفهمهم لطبيعة العمل السياسي أو لمعرفتهم عن قُرب أو التعامل معهم بالفرضيات السياسية, فقد يركبون رؤوسهم ويُصرُّون على تبنِّي فرضياتهم الثورية, والانسياق خلف نزق الثوار الغير محمود؛ وبالتالي قد يُربكون المشهد السياسي المألوف برمته!.. والأخطر من ذلك أن هذه القوى ستغدُو في الساحة السياسية مُتفردةً في حال نُفوق المؤتمر وهو مالا ترغب فيه ولا مهيأة له.. إن منهجيتها وإمكانيتها ووضعها السياسي لا يُمكّنها إلا من الاستمرار في أداء الدور الذي ألِفتهُ كمُعارضة, أما أن تُمارس السلطة وتُدير دفتها فهذا مالا تُجيده ولا قدرة لها عليه ولا على تحمُّل تبعاته, فدون ذلك خرط القتاد.. من خلال هذه المحددات فإن موت المؤتمر وخروجه من المشهد السياسي -من وجهة نظر هذه القوى- سيُشكل خطورةً عليها مُحتملة وبالتالي أصبح وجوده كحزب حي مُنتعش ولو ظاهرياّ بمثابة الضرورة السياسية النَّتنة, فسعوا بذلك جاهدين ومازالوا لإنعاشه وفي نفس الوقت قَتل الثورة ببطء ممنهج وممل قد يؤدي بها نظرياً -على الأقل- إلى الاندثار أو طلب الرحمة, أو قد تسعى صوب الانتحار بتخليها عن منهجية السلمية.. وفي كل الأحوال هي غير مأسوف عليها مادام وجودها قد تعارض والمصلحة الحزبية!.. مُراهنين بذات السياق على استقطاب الثوار لصفوفهم ومن تبقَّى منهم سيتكفّل بهمُ الزمن حتَّى تُصبح الثورة أثراً بعد عين..
إن المؤتمر لم يعُد حقيقةً واقعية كحزب بقدر ما هو شخصية اعتبارية تُستخدم في الوقت الراهن لملء فراغ سياسي ووسيلة لإقصاء الثورة والثوار عن الخارطة السياسية والاجتماعية وبالجملة عن المرحلة التاريخية..
لقد دعاني لقول هذه الكلمات المقتضبة أني وجدتُ أنَّهُ من غير المنطقي الاستمرار في مُمارسة الدَّجل السياسي على الشعب وعلى الثورة وفي نفس الوقت لابُد من المُكاشفة - وإن كانت مؤلمة- مع الأحزاب السياسية التي وقفت مع الثورة والقُوى المتحالفة معها بالقول الصادق: أنتم تخشون من وجودكم السياسي مُتفردين أو مع قوى ثورية والإشكالية أنَّكُم تُضمرون ذلك ولا تظهرونه! ومازلتم تستظلون بظلال النظام السابق ومؤتمره ولستُم مُستعدين لتحمُّل تبِعات الحُكم وتفضَّلون أداء الأدوار الثانوية على تحمُّل تبعات مسؤولية أمة وتسعون في نفس الوقت إلى تحميل غيركم تبِعات وأداء الأدوار الإستراتيجية؛ حتَّى الثوار بِتُّم تخشونهم!.. فبعضُهم قد يكُونون محسوبين عليكم أو حتى على غيركم, سيان, فلستُم على استعداد لمُجرد سماع أن الثوار أو غيرهم لديهم برنامج وطني غير محسوب من قِبلكُم وفقاً لنظرية القيراط والذرة, ظانين أن ما لم تحسبونه وليس صادراً منكم قد يؤثر عليكم سلباً وعلى سُمعتكم ومكاسبكم الموهومة المظنونة! ..
إن هذه القوى المنهكة الرتيبة هي التي تُنعش المؤتمر وتبُث فيه الحياة وتسعى جاهدة لقتل الثورة في مهدها بقصدٍ أو بدون قصد تماماً كمنح المؤتمر امتيازات والثوار انتكاسات!.. إنعاشٌ ساكنٌ سافرْ يقابله قتلٌ ساخنٌ ماكرْ.. لكن مهلاً!.. للتوجه العام للتاريخ الذي يصنعه الله ويُديرهُ من عنده رأيٌّ آخر غير رأيكُم وما تُدبرونه ..غداً تعرفونه وإن غداً لناظره قريب!!.
د/ عبدالله الحاضري
يقتلون الثورة ويُنعشون المؤتمر!! 2075