عندما شن الكيان الصهيوني عدوانه الآثم على غزة لم يكن يتوقع في أسوأ الظروف النتيجة التي انتهت إليها المغامرة اللا محسوبة أو المحسوبة بطريقة خاطئة أو بناء على أوليات ومعلومات قديمة ولذلك كانت الهزيمة المخزية لقادة الاحتلال الصهيوني والنصر المبين للشعب الفلسطيني المقاوم الصابر في غزة.
يبدو أن من خطط للعدوان على غزة بنى خطته على حتمية نجاح القبة الحديدية في اعتراض صواريخ المقاومة، السلاح الذين لا يمكن للإسرائيليين تحمل تبعاته، ولكن خابت حساباتهم وآمالهم ووصلت الصواريخ إلى مدى أبعد مما تصوروه ولأول مرة أصابت الطيور الأبابيل تل أبيب وبثت الهلع والرعب في قلوب ساكنيها بعدما بثت نفس الصفات في جنوب إسرائيل ومن المحتمل أن تصل هذه الصفات التي لا يستطيع الصهيوني التعايش معها إلى شمال ما تسمى إسرائيل في حالة ما إذا استمرت الحرب والعدوان، كما صرحت المقاومة بأن على العدو أن يستعد لما بعد تل أبيب وقد أرسلت المقاومة دلائل صدقها في وصول صواريخها إلى القدس المحتلة ومن هنا أثبتت صواريخ المقاومة بالدليل القاطع فشل القبة الحديدية التي على فرضية نجاحها شن العدو عدوانه على غزة رغم النجاحات البسيطة في قدرة القبة باهظة التكاليف على إسقاط بعض الصواريخن مع العلم أنه لو تمكن صاروخ واحد فقط من الوصول إلى هدفه فهذا دليل كافٍ على فشل القبة الحديدية برمتها.
المظهر الثاني من مظاهر الهزيمة هو مدى الرعب الذي شاهدناه وشاهده العالم والذي أصاب إسرائيل وأوقفها وأدخل سكانها بالملايين إلى الملاجئ خوفاً من سقوط الصواريخ على رؤوسهم وما رافق ذلك من تعطل للنشاط الاقتصادي والذي له تأثير قوي على قادة المعركة وعلى السياسيين على حد سواء.
المظهر الثالث من مظاهر الهزيمة الصهيونية هي الإصابات المحققة والقتلى الذين سقطوا نتيجة صواريخ المقاومة والإصابات التي دخلت إلى المستشفيات وإن كانت لأعداد قليلة، لأنه من المنطقي ألا تحدث في ظل الاستعدادات المكثفة للعمليات والاحتياطات المتوفرة والتي يتم التدرب عليها ما بين الفينة والأخرى فيما يسمى بمعرفة فاعلية وكفاءة الجبهة الداخلية للتعامل مع أي حروب قادمة سيكون الكيان الصهيوني طرفاً فيها.
المظهر الرابع هو إثبات فشل الحصار الصهيوني والغربي على قطاع غزة، حيث أن السبب الرئيسي للحصار كما يدعون هو منع وصول الأسلحة إلى فصائل المقاومة وهذه الحرب أثبتت عجز الحصار عن منع تهريب السلاح وأثبتت أيضاً قدرة الفلسطيني على تصنيع سلاحه بنفسه وعلى ابتكار أسلحة لا تقل كفاءة عن الأسلحة التي تأتي من الخارج.. كذلك فإن مبرر بقاء الحصار المفروض على غزة قد انكفأ وانتهى، لأن العالم أصبح يعرف يقيناً أن السبب الحقيقي للحصار هو تجويع الشعب الفلسطيني ومحاولة إركاعه وإذلاله وأثبتت الأحداث أن لا إمكانية لذلك.
المظهر الخامس هو نجاح حكومة قطاع غزة في إدارة المعركة والحياة اليومية رغم كثافة الغارات والنيران.
المظهر السادس هو عودة إسرائيل لممارسة هوايتها القبيحة عندما تنتهي خارطة أهدافها العسكرية وذلك من خلال استهداف الإعلام الناقل الحقيقي لسير المعركة والناقل الحقيقي لإخفاقات الجيش الإسرائيلي في التعامل مع المعركة ومع المقاومة الفلسطينية الباسلة.. ليس هذا وحسب، بل الاستهداف المباشر للصحفيين في اختراق واضح لكل القيم والمبادئ الإنسانية والإعلامية، كما حدث مع مصوري قناة الأقصى الفضائية، عندما عجز عن الاستمرار في سرقة إشارة بثها انتقل لقتل كوادرها.
المظهر السابع هو العدد الكبير من الشهداء في صفوف المدنيين وخصوصاً من الأطفال والنساء والفشل في استهداف المجاهدين الذين كانوا يتحركون في مساحة ضيقة ويطلقون الصواريخ على مرأى من وسائل المراقبة الصهيونية.
المظهر الثامن هو طلب التدخل من القيادة المصرية ومن خلال أمريكا وأوروبا للعمل على وقف إطلاق النار وتحقق هذا الأمر وبشروط المقاومة والتي أهمها وقف العدوان وسياسة الاستهداف والاغتيالات ورفع الحصار وإن كان يشكل غير كامل ولكن تخفيف القيود على المعابر والسماح بتنقل البضائع والأفراد تحقق شرط رفع الحصار وإن اختلفت التسمية.
المظهر التاسع هو التضامن الكبير الذي ظهر من قبل شعوب وقيادات العالم العربي والإسلامي في مظهر لم نألفه في ظل الأنظمة السابقة.
المظهر العاشر الذي أظهرته أحداث غزة وهو استمرار الولايات المتحدة الأمريكية في سياستها العدائية ضد الشعب الفلسطيني وموافقتها على العدوان ولولا شعورها بأن إسرائيل تتألم من المقاومة لما سعت للتهدئة ووقف العدوان على غزة.. وعلى أمريكا أن تعلم أن فصائل المقاومة والشعوب العربية والإسلامية والحرة لا تهتم من موقف أمريكا تجاه أمن إسرائيل إن كان ثابتاً كالصخر أو كالماء، لأن الشعوب هي التي أصبحت تفرض المعادلات وليس مواقف أمريكا أو مواقف سواها.. كذلك نقول لأمريكا أنها انكشفت مثلها مثل روسيا وأنها تتبادل الدور معها، فهم يعينون جزاراً ويستنكرون آخر وهكذا هو حال روسيا مع شعوب المنطقة، فالكل يعمل حسب مصالحه لا حسب مصالح شعبنا.
خلاصة الموضوع أن المعركة كانت مؤلمة لنا ولكنها أيضاً مؤلمة لهم والفرق أننا نرجو من الله ما لا يرجون، ففي هذه المعركة استطاع الأبطال إيصال الألم إلى عمق المحتل وهنا هانت الخسائر والمعاناة التي تحملتها غزة وأهلها.. وعزاؤنا أن الحرب فرضت على أهل غزة ولم يطلبوها ولذلك اللوم كل اللوم يقع على المعتدي وحده ونحن على يقين بأن الضامن الوحيد للهدنة والتهدئة هو الاستعداد الدائم من قبل المقاومة الفلسطينية وتطوير القدرات الدفاعية والهجومية، لأن العدو لا يعرف إلا لغة القوة والعجرفة ولا تردعه إلا القوة.
جلال الوهبي
مظاهر النصر في غزة 1818