تمر علينا الذكرى الخامسة والأربعون لعيد جلاء المستعمر من جنوب القلب اليمني الواحد في الثلاثين من نوفمبر 1967م .هذه الذكرى المباركة التي تحمل إلى جميع أبناء الشعب اليمني العظيم الكثير من الدروس المستوجب علينا تناولها وتناقلها عبر الأجيال.
فالروح الفدائة والولاء المطلق لهذا الوطن الذي حملة ذلك الجيل المغوار والتضحيات العظيمة التي تفانا أبطال الاستقلال والتحرير في تقديمها قرباناً لهذا الوطن وتربته الطاهرة التي لا تقبل أن ينجسها دنس محتل أو عميل تستوجب أن يكرس نشرها وتناولها في الإعلام, وإقرارها في المقررات الدراسية، فتدرس للأجيال ويتوارثها الوعي الجمعي للوطن، لأن الأعمال العظيمة ما لم تدون وتدرس ويخلد أبطالها في الذاكرة الجمعية للشعب، تندحر وتتبدد.
فمن أولى الواجبات تجاه أولئك الأبطال الذين صنعوا هذا التحول العظيم أن تخلد أدوارهم وتضحياتهم وولاؤهم المطلق لهذا الوطن، فتبرز هذه القيم في وسائل الإعلام ويتم الاهتمام برجالات تلك المرحلة سواءً من توفى منهم أو من أطال الله في أعمارهم.
إن القيم المستوحاة من نضال ذلك الجيل وفي مقدمتها الولاء المطلق للوطن ورفضهم للمحتل- فكراً وممارسة مهما تعاظمت قوته واشتدت سطوته وتغوله- وتحمل تبعات هذا الرفض من جهدٍ مبذول ورفض القبول بأنصاف الحلول مصرة على الخلاص من المحتل البغيض جملة وتفصيلاً. مجبرين جيش حكومة العجوز الشمطاء أن تحمل عصاها وترحل .
فالاحتلال البريطاني الذي جثم على جنوب القلب الواحد من الوطن منذ1839م ظل طيلة مائة وثمانة وعشرين سنة (لفظ السنين يدل لغوياً عن البؤس بينما لفظ العام بدل على الرخاء والسلامة) يدير البلاد بسياسة التشتيت والفرقة والوقيعة التي ضربت بنية المجتمع ضربات موجعة في غاية الخطورة ترتب عنها استنزاف للمقدرات الوطنية وتحوير لطاقات المجتمع من خلال توجيهها في مسالك استنزافية تتآكل فيما بينها مفسحة للمحتل بناء ذاته من خلال استنزاف ثروات الوطن والسيطرة على أهم الموانيء في المنطقة والحيلولة دون ظهور مشاريع وطنية تخدم الوطن والمواطن .
إن الاحتلال البريطاني يعد في نظر العديد من الباحثين والمهتمين بالتاريخ الحديث والمعاصر من أخطر المستعمرين الذين تناوبوا السيطرة على دول المنطقة .
فالإستراتيجية التي تبناها في إدارته لجنوب الوطن المتمثلة بــ (سياسة فرق تسد)وكذلك سياسة تقسيم المنطقة العربية أو ما سميَ بتقسيم تركة الرجل المريض الذي حيكت مؤامراته في مداولات مؤتمر برلين عام1873م تحت شعار مناقشة القضية الشرقية. أقر فيه المستعمرون تقسيم المنطقة إلى( كانتونات) ودول منقسمة على ذاتها، وغير قادرة على التكامل البيني للقيام بأي نهضة .
ولم يتبقَ بعد ذلك سواء تهيئة الأجواء للتنفيذ واختيار التوقيت المناسب لإخراج تلك المؤامرة، التي تكاملة حلقاتها في زرعهم -وفي المقدمة بريطانيا- للكيان الصهيوني في فلسطين بناءً على وعد بلفور سيء الصيت.
وسعت لإفراغ المنطقة ومنها جنوب اليمن من أي مشاريع بناءة، والسعي الحثيث في تدعيم الكيان الصهيوني بكل الإمكانيات المتوفرة لديها باعتباره الجبهة الأمامية للمستعمر في المنطقة.
وبالمقابل لم تحمل العجوز الشمطاء عصاها وترحل من الجنوب إلى بعد أن أوجدت جيوباً داخل جسد هذا الوطن، ذات رؤى متباينة مع المشروع الوطني الموحد، وبنى فكرية ذات وعي مغيب يحقق للخصوم مبتغاهم عن بعد .
فنزعات الانفصال المضرة بالولاء الوطني، والممولة من الخارج والتي تبث سمومها عبر قنوات إعلاميه معادية للولاء للوطن، تحتضنها بريطانيا ليؤكد أن هنالك رغبات دفينة وحنيناً للماضي لدى العجوز الشمطاء، يجب التنبه لها وتحصين أبناء الشعب بالولاء المطلق للوطن وبتخليد تضحيات وجهود أبطال حرب الاستقلال الذين رووا بدمائهم الطاهرة تربت وطن تحرر من الخوف وتمرد على المألوف.
محمد أحمد النقيب
في الذكرى 45لعيد الجلاء .. من الجلاء للمستعمر إلى الولاء للوطن 1849