في حادثة هي الأولى سقطت طائرة في حي سكني وخلفت وراءها حريقاً انتقل على إثره عشرة إلى جوار ربهم وهم طاقم طائرة الأنتينوف ولعلها ليست بالمرة الأولى التي يموت فيها أشخاص في وطني تحت أسباب غامضة فالموت بات سائدا حد التعوّد على حضوره وبروده الذي يتمثل في عدم الاكتراث لماهية الموت التي تحصد الأبرياء دونما عين تسأل لما وكيف؟!..
لندع لسان الموت تتحدث طالما وأن البشر اكتفوا بالتحديق تاركين أنين عشر اُسر يكسر جمود الموت نفسه فينطق ..
• الغربة أن تعيش بوطنك غريباً وحين تموت تموت أيضا غريباً، كعشرة سقطوا ضحايا لحادثة سقوط طائرة وسقطت معهم ضمائر ميتة جمّة ، عشرة أفراد سُمع عبر أبراج المراقبة أحاديثهم لمحاولات أن تسقط الطائرة بعيداً عن الأحياء السكنية غير آبهين لحياتهم آنذاك.. ويبقى الفرق بين تلك الضمائر وبين عشر جثث تفحمت أن الثانية ستُدفن بكرامة خالدة الصيت طالما وأن هناك مبادرات مازالت تحث الخطى لتكريم النفس البشرية التي كرّمها الله في كتابه وتشريعه ولعل ما اقصده هي المبادرة التي أعلنها ثُلة من الشباب بينهم صحفيين وإعلاميين والتي تهدف إلى تكريم الطاقم وإن كان تكريما لغائبين إلا أنه يعد خطوة جادة ومهمة من شأنها بث الروح من جديد في جسد الأمل الذي قطعته يد الموت الطولى في أن يكون للنفس البشرية أهمية ومكانة وشان يستحق الإشادة والإشارة في وطن لم يعد فيه للنفس البشرية أي مكانة تُذكر.. لذا كان لا بُد من حشد الجهود لمثل هذه مبادرة سواء إعلامياً أو إنسانياً، فالمبادرة تستحق والوطن يستحق أيضاً ..
نحن بحاجة إلى توثيق أحقية اُسر هؤلاء في الفخر بهم أمام الملأ، فهم أهل له وعواءلهم أيضاً عبر حفل تكريمي يحضره الجميع ومن كل الأطياف ورسم البسمة على وجوههم عبر حروف وأفعال من شأنها إحياء الذكرى الأولى للنفس البشرية الكريمة.
أيضاً نحن بحاجة إلى تقديم الدعم لهؤلاء الأسر من جميع الجوانب، فمسألة فقدان عشرة من عشر بيوت ليس بالأمر السهل، بل يعد أمراً يستدعي الحاجة إلى التخفيف من وطأته ولن يكون ذلك إلا بتكالب الجهود لدفع الضرر المترتب عليه غياب هؤلاء العشرة عن منازلهم دون رجعة ..
ولعل الأمر الأهم وقوعه في هذه المبادرة هو الصدق في العمل والإيمان الكامل بأن حياتنا كانت غالية لديهم وموتهم لدينا أغلى..وها نحن ننتظر وكلنا أمل في أن يستجيب الجميع لهذه المبادرة وتنجح مساعيهم الخيرية والإنسانية والوطنية فتخطو الحياة للأمام ونحو الارتقاء بالنفس البشرية إلى ما تصبو إليه من كرامة، فلا يعد للموت رائحة الخذلان التي اعتدنا استنشاقها على مقربة من الضمائر المدفونة ..
دعونا نقول بلسان حالنا لا بلسان الموت: الحياة الكريمة هي تلك التي يخلدها موت الكرماء .. شهداء الوطن ؛لذا لا بد من تكريمهم .
أحلام المقالح
الموت يتحدث ! 1964