سقط خالد بن الوليد صريع المرض, ومات على فراشه وليس في جسده موضع شبر إلا وفيه طعنة برمح أو ضربة بسيف أو رمية بسهم فصاح وهو يجود بنفسه مطلقاً مقولته الخالدة: لا نامت أعين الجبناء!!
خلق الله بني أدم أحراراً, وأنزل شرائعه السماوية لتحفظ كرامة وحرية الإنسان وسار محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ مثالاً على الأرض لهذا التشريع السامي.. وجاء عمر بن الخطاب ليختزل كل المعاني الرائعة المؤكدة لحرية بني آدم وألقى بمقولة خالدة أخرى في وجه عشاق الاستبداد فقال متسائلاً بتهكم وتعجب: متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً؟
من يجعل المستبد مستبداً, من يسمح له بالاستحواذ على مساحات حريتك, ومن يسلمه قيادك فتسير خلفه كعبد ذليل لا حول لك ولا قوة؟؟؟
أنت من يصنع طوق عبوديتك.. وبرغم أن الذليل هو من اختار ذلته غير أن عدم تقديره لذاته يدفعه لنكران أنه هو من اختار مصيره المذل هذا؟
خلقنا مختارين في هذه الحياة وهذا مكمن التكريم من رب العالمين لبني آدم والذي به رفعوا لفوق مستوى الملائكة.
أن تخونك شجاعتك في لحظة صعبة حين يضعك القدر أمام خيار صعب, فيغلبك ضعفك البشري وتجبن عن اتخاذ القرار الصح أحياناً.. فهذا أمر وارد وقد يحدث مع أفضل الناس..
أما أن تحيى والجبن شعارك ودثارك, وتسير بين الناس ملتحفاً به, موسوماً به, فهذا موت من نوع آخر, وتعاسة من صنع يديك!
على ماذا تخاف يا إنسان ومما تخاف؟؟ وبماذا تقايض حريتك وكرامتك, وبماذا تبيع وطنك ودينك وأهلك, ولماذا تخسر كل شيء ذي قيمة يجعل لوجودك معنى على هذه الأرض؟؟
جعل الله أمر الرزق والأجل في يده وحده جل وعلا, فلم يسلط أحداً من البشر على رزقك وأجلك لتحيى حراً كريماً مصاناً من تجرع ألوان الذلة والهوان على يد مستبد متنمر متضخم الذات, ولتختار نوعية حياتك, ونوعية مماتك, حتى أن المرء ليصل لدرجة الشهداء بنية الشهادة الحقة!!
واليوم الفرسان الأحبة في غزة يضربون لنا أروع الأمثلة على عيش السعداء, يموتون اختياراً, وكان بإمكانهم أن يبيعون, ويستسلمون كما فعل الكثيرون, كان بإمكانهم أن يجبنوا ويعتذروا بأنهم لا طاقة لهم بدولة تقف وراءها أميركا العظمى!!
لكنهم أحرار, وسيبقون يلقنونا درساً في الحرية مدى الدهر, فهم المرابطون في سبيل الله الذين ذكرهم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فأثنى عليهم ودلل على مكانتهم وقرر بأنهم ثابتون لا يضرهم تخاذل المتخاذلين ومداهنة المداهنين حتى تكون المعركة الفاصلة بين قوى الخير وقوى الشر على هذه الأرض في أكثر من حديث صحيح..
الشجاعة من أسباب شرح الصدر ـ كما ذكر ذلك بن القيم في مقدمة " ـ زاد المعاد" ونظرة واحدة.. في وجوه الجبناء تنبئك عن مقدار بؤسهم, ألا يكفي أنهم يموتون في اليوم ألف مرة والشجاع يموت في عمره مرة واحدة.تعساء وأذلة ولو ركبوا السيارات الفارهة ولو ساروا في حراسات مشددة ولو تجمهر حولهم المنافقون ولو تناقلت المحطات العالمية أخبارهم, ولو ملأوا خزائنهم بالذهب سيبقون تعساء!! لأنهم بائعون لإنسانيتهم قبل أي شيء..
الشجاع لن يبيع الأرض والعرض والمبدأ لأنه يرى نفسه غالياً وليس له ثمن, ثمنه الوحيد هو الجنة التي يبيع نفسه لله ليشتريها, يجاهد نفسه والدنيا والهوى ليبقى عزيزاً ويحيا مترفعاً, متمترساً في خندق الحق ولو بقي منفرداً, يريد بذالك رضوان مالك هذا الكون.
كن مع الملك تكسب, لا ترتع مع العبيد فتخسر, إبق فوق, في العلو ثابتاً على المبادئ السامية فهناك الهواء نظيف والضجيج قليل لأن العلية قلة, فارفع رأسك وتنفس عليل الحرية وانتعش بعبير الشجاعة وسوف تكسب نفسك وأشياء أخرى جميلة, ولا نامت أعين الجبناء..
نبيلة الوليدي
فرسان الزمن الصعب! 2170