لقد سيطر هواء تركيا وطقسها ونظافتها ومدنيتها وحضارتها وطبيعتها على لبي وأحاسيسي ومشاعري تماماً كما سيطر على غيري من سياح العالم الذين يَفِدُون إليها وهي دولة إسلامية، فقلت في نفسي هذا هو إعجابي بهذه الدولة فكيف سيكون الحال عند مغادرتي منها إلى جمهورية (مصر) العروبة والإسلام والتاريخ والحضارة , مصر الأهرام والنيل والفراعنة , مصر أم الدنيا التي قال عنها القران الكريم (اهْبِطُواْ مِصْراً فَإِنَّ لَكُم مَّا سَأَلْتُمْ ) فتوقعت أن يكون إعجابي بها وبمدنيتها أكثر من تركيا، لأنها عربية إسلامية وسيكتب قلمي عنها أكثر مما كتب عن تركيا وما هي إلا اقل من ثلاث ساعات منذ أن أقلعت بنا الطائرة التركية من مطار اسطنبول حتى هبطت بنا في مطار القاهرة وأول شيء تفاجأت به قيام احد ضباط المطار بسؤالي ما بداخل هذه الحقيبة؟؟فقلت له ملابس فقال لي ما فيش شيء نأخذ عليه جمارك؟؟مع انه يعلم أنها حقيبة زائر وليس تاجر فرديت عليه هذه ملابس وان محامي لكنه عندما عرف ذلك لم يعيد السؤال مرة أخرى وطبعاً كان يظن انه سيحصل على شيء من (الرشوة) لكنه خسر رهانه فأخذت سيارة تاكسي من المطار إلى شارع المنيل حيث محل إقامتي بالقاهرة وعندما بدأ التاكسي بالتحرك واجهنا مطبات وحفر وغيوم وجو ملوث وخلال بقائي في مصر تنقلت بين أحيائها ومدنها وعرفت الكثير مما لم أكن أتوقعه فالباعة المتجولون بالأرصفة والمخلفات تُرمى إلى جانب الطريق وأحياناً إلى وسط الشوارع وبعض المتسولين يجوبون بعض الشوارع والنيل ذلك الشريان النابض بالحياة والداعم للاقتصاد والمحرك للأيدي العاملة والمخفف من البطالة لم يُستغل استغلالا جيدا في السياحة وان كان يُستغل نوعا ما في الزراعة ويمثل موردا أساسيا للمزارعين وهنا أدركت يقينا أن هذه المساوئ والإهمال ومظاهر التخلف وعدم الاهتمام اثر من آثار مخلف الأنظمة العربية المخلوعة المتشابهة ويمثل عبئاً كبيراً وتركة ثقيلة على كاهل الأنظمة العربية البديلة سواء حزب الحرية والعدالة في مصر أو اللقاء المشترك في حكومة الوفاق الوطني أو حزب النهضة الإسلامي في تونس أو الحكومة البديلة في ليبيا أو الجيش الحر والمجلس الوطني في سوريا، حيث ما زال الأسد ونظامه يقتل الشعب السوري يومياً، فالأنظمة الثورية البديلة بحاجة إلى بذل جهد ليس بمفردها فحسب، بل بحاجة إلى تعاون شعوبها معها في القضاء على مساوئ الماضي واقتلاع جذوره والتخلص من مخلفاته السيئة طبعاً مع الفارق والفارق الكبير في التباين فيما بينها وبين تركيا، فلا وجه للمقارنة بين مدنية ونظافة وحضارة واقتصاد تركيا والسياحة فيها وبين ذلك في مصر، كما انه لا وجه للمقارنة بينما هو عليه الشعب اليمني من تخلف وتدهور في الاقتصاد ونشر للفوضى والبطالة بسبب النظام السابق المستبد وبين ما هو عليه الشعب المصري وما كان عليه نظامه المخلوع فعلى الرغم مما كان عليه النظام المصري من مساوئ، إلا انه ومن باب الإنصاف قد أوجد مؤسسات دولة وجيشاً وطني شبه مستقل، أما النظام اليمني السابق فلا دولة مؤسسات ولا جيش وطني ولا غير ذلك وإنما فوضى في فوضى وإثارة للفتن وتشجيع للنافذين وتدميرا للبنية التحتية إن وجدت وتفريخا للأحزاب بهدف تطبيق شعار (فرق تسد).
وإذا سألت أخي الكريم كم يحتاج العرب إلى أن يصلوا إلى ما وصلت إليه تركيا برئاسة حزب العدالة والتنمية؟.. فدعني أكون معك منصفاً فمصر بحاجة إلى عقود من الزمن أما نحن في اليمن فبحاجة إلى قرون ذلك أن (مبارك) حوكم وأودع السجن المؤبد و(صالح) طالب الشعب بمحاكمته فأعطته المبادرة الخليجية الحصانة التي تعتبر عائقا أمام حكومة الوفاق وإرباكا أمام ثورة الشباب هذا بالإضافة إلى ما سببته الحصانة من فتن وقلاقل ونشاط واسع للحركات التمردية التي تظهر بين آونة وأخرى والدعم اللا محدود لها من النظام السابق.. ولعل هناك من يتساءل عن السبب في نهضة تركيا في شتى مجالات الحياة وتخلف الدول العربية؟ والإجابة على هذا السؤال قصيرة وهي أن النظام التركي انشغل في أداء واجبه نحو شعبه، فبنا دولة مؤسسات والأنظمة العربية سارت على العكس من ذلك حيث انشغلت في توريث الحكم للأبناء والأقارب وظن الزعماء المخلوعون أنه لن يسألهم أو يحاسبهم أحد، فالحكم سينتقل للأبناء وفضائحهم ستظل مستورة وشعوبهم ستظل نائمة وبسبب هذه النوايا السيئة والأفعال المزرية والتوريث والتأبيد وصلت البلدان العربية إلى ما هي عليه الآن والأخطر مما ذكرناه أن بقايا الأنظمة المخلوعة في كل قطر عربي ما تزال تبلبل وتكذب وتعرقل مسيرة البناء وتسعى بشتى الوسائل إلى تظليل الرأي العام بغرض إيهام المغفلين بأن الأنظمة السابقة لم تكن مجرمة أو مخطئة وهنا يكون لزاماً على الشعوب الوقوف الجاد في وجوه البقايا وتفويت الفرصة عليهم، كما أنه يتحتم على الشعوب العربية الالتفاف حول قيادتها الجديدة والعمل معاًَ في خندق واحد من أجل بناء البلدان وتعمير الأوطان وليكن شعارهم قوله تعالى (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ) وقوله (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ).
أحمد محمد نعمان
التّشَابُهُ فِي مُخَتلّفِ الأنْظِمَةِ المُخْلُوْعَة 1956