حتى لو أقام بان كي مون في العاصمة صنعاء ما تبقى من الفترة الانتقالية فلن يكون ذلك كافياً لملء الفراغ الذي يتركه ضعف أداء الرئيس وبطئه وتردده في ممارسة دوره كاملاً بموجب التفويض الشعبي الواسع الذي حصل عليه من اليمنيين.. الدور الخارجي مطلوب ومهم كداعم للسلطة الانتقالية وليس بديلاً عنها أو تعويضاً عن الفراغ الذي يتركه ضعفها.. الخارج دائماً تابع للمتغير الداخلي ولم يأت مجلس الخليج ومجلس الأمن والمبادرة إلا لأن فعلاً قد حرك الداخل " الثورة الشعبية " وغير موازيين القوى.
يتوفر للرئيس هادي ما لم يتوفر لغيره: تفويض شعبي وتأييد غير مسبوق، دعم ومساندة إقليمية ودولية، شرعية شعبية وشرعية دستورية، وفقط عليه أن يتوكل على الله ويمضي في استعادة الدولة أولاً بدلاً من الهروب إلى الإمام ووضع عربة مؤتمر الحوار أمام حصان توحيد الجيش واستعادة فعالية الدولة ومؤسساتها.
الخارج ورعاة المبادرة عامل أساسي لا يستغنى عنه، غير أن المبالغة في المراهنة عليه وإهمال فعالية الرئيس وإبقاء الوضع على ما هو عليه من مراكز قوى وبقاء شبه كامل لفعالية الرئيس السابق وطواقم عمله، كل ذلك يحول الدور الخارجي من داعم إيجابي مكمل إلى سراب وهمي يخدر المراهنين عليه ويساعد في تعطيل فعالية الدولة اليمنية ورئيسها ومؤسساتها بإبقاء الوضع على ما هو عليه من انقسام واستمرارية مراكز القوى في الإمساك بأدوات القوة والمال والنفوذ وتوسع الفرز المذهبي والطائفي والشطري.
أول أمس خاطب الرئيس دعاة فك الارتباط بتذكيرهم بأن الموقف الدولي واضح عبر قرارات مجلس الأمن التي أكدت على وحدة اليمن وأمنه واستقراره كإطار للحوار والحلول المطروحة لكل القضايا.. هل يكفي ذلك؟ وإذا فرضنا أن مجلس الأمن غير موقفه، هل يصبح مصير اليمن ووحدته ومستقبله مرهوناً فقط بالموقف الدولي؟.
في اليمن دولة واحدة اسمها الجمهورية اليمنية وشعب يمني هو الذي يقرر مصيره وشكل دولته, فلماذا لا تراهن السلطة الانتقالية على الشعب اليمني بشماله وجنوبه؟ لماذا لا تتخذ خطوات حقيقية إزاء الشعب والناس العاديين في الجنوب وتخطب ودهم وتراهن على الوصول إليهم بدلاً من ترك المسألة مرهونة باللهث وراء "الزعامات" الجنوبية في الخارج, حيث اختزل الجنوب بأشخاص وقذف بالحوار حول القضية الجنوبية على أكتاف بن عمر، وأصبحنا لا نؤكد الوحدة اليمنية إلا من مرجعية الموقف الدولي؟!..
ليس بإمكان أحد أن يتفاوض على تجزئة اليمن ومن يعتقد أن الانفصال يتحقق بتوقيع يغالط نفسه, من يريد الانفصال عليه أن يقول لنا كيف سيحقق ذلك من دون حرب؟..
استعادة الدولة وتوحيد الجيش اليمني هو الذي يهيئ لنجاح الحوار ونجاح التغيير والحكم الرشيد وليس وضع العربة أمام الحصان.
أول أمس كان بان كي مون وبن عمر أكثر إدراكاً لحقائق الواقع اليمني؛ بإشارة الأول إلى دور شباب اليمن الذين خرجوا في مدن اليمن وشوارعها وساحاتها من أجل التغيير، وتأكيد الثاني أن اليمنيين خرجوا من أجل التغيير الشامل وليس فقط استبدال رئيس برئيس.. هذا ما قاله الضيوف الأمميون, فيما ذكر الرئيس المبادرة ورعاتها والموقف الدولي الضامن لها وغفل عن ذكر الحدث الخالق للمبادرة متمثلاً بالثورة السلمية وشبابها وشهدائها وجرحاها، على الأقل لأن العامل الشعبي هو الضلع الآخر الضامن للمبادرة قبل الموقف الدولي وبعده على أقل تقدير..
كتبنا عن الرئيس عبد به منصور هادي وسوف نستمر لأننا وكلناه لإتمام عملية التغيير ولأن بيده مقدرات الشعب اليمني وأدواته " الشرعية لإدارة الدولة ومؤسساتها واتخاذ القرارات " ولأنه المتغير الوحيد في مفردات مراكز القوى على الأقل إذا نظرنا له كمركز قوة جديد وليس كرئيس!!.
نحتاج إلى احتشاد الرئيس وقلقه وقوة بأسه وشكيمته وفاعليته ونشاطه في مستوياتها القصوى.. والزمن ليس بيده ولا بأيدينا، وإذا بدأت السنة الجديدة ٢٠١٣ والوضع على ما هو عليه لن يكون حينها قادراً على فعل شيء حتى لو أراد، حينها فقط سيبدأ العد التنازلي لكل السيناريوهات السيئة.. فهل يفعلها الرئيس ويبدأ التغيير؟.
مصطفى راجح
مخاطر المبالغة في الرهان على الخارج!! 1886