كان للكلمة التَّعْبويّة "الأرض الموعودة" التي أطلقها "هيرتزل" وفريقه, لبناء مشروعهم الاستيطاني في فلسطين, أثراً سحرياً في جمع شتات اليهود, من كل الآفاق, لإقامة هذا الكيان المصطنع على أرض فلسطين، لكن إقامة هذا الكيان غير المتجانس احتاج منذ اللحظة الأولى إلى عاملين:
العامل الأول: تفريغ فلسطين من أهلها, كي تصبح أرضاً من غير شعب.
العامل الثاني: التزام أمريكا خاصة, والغرب كله بصفة عامة, بتوفير الأمن والحماية المطلقة لليهود القادمين, للإقامة والبقاء في فلسطين,إلى آخر لحظة يمكنهم البقاء فيها.
وكان لابد من أجل ذلك أن يُقوَّى هذا الكيان المصطنع, الذي أطلق عليه اسم "إسرائيل" بكل أنواع الدعم المادي, من سلاح, ومال, ورجال بتشجيع الهجرة إلى فلسطين, وبكل أنواع الدعم المعنوي, من تأييد مطلق لكل السياسات العنصرية الإسرائيلية, التي قامت على قتل وتشريد أهل فلسطين, بكل وسيلة ممكنة , وقتل العرب والمسلمين الرافضين للمشروع الصهيوني , في كل مناسبة, وفي كل مكان تستطيع أن تصل إليه.
كما ساعدت الأنظمة العربية, بإيعاز من الدول المذكورة, على تسهيل ولادة إسرائيل, وزودتها بالأحبال السرية اللازمة, والتي تحتاجها قبل الولادة وبعدها, ومن ثم حمايتها بكل وسائل الحماية, بالمعاهدات السرية والمعلنة, لتوفير البيئة الآمنة, التي يحتاجها هذا السقط الغريب ليعيش ويبقى.
كذلك قامت بعض الدول العربية المحيطة "بإسرائيل" بدور الشرطي الأمين, لحمايتها وحراستها, من الشعوب العربية المحيطة بها, ووقفت الجيوش العربية, والأجهزة الأمنية العربية, على حدود هذا الكيان الغريب, تحميه وتشد من أزره, وتربت على كتفيه, بدلال غير مسبوق.
ومثلما كانت كلمة "الأرض الموعودة" كلمة تعبوية لجلب اليهود إلى فلسطين, فقد كانت كلمة "تحرير فلسطين" كلمة تعْبَويَّة سحرية لخدمة الأنظمة الحاكمة في البلاد العربية, استفادت الأنظمة منها بأن جعلت من مقولة "تحرير فلسطين" مشروعاً تجارياً للكسب غير المشروع بضاعته الدم الفلسطيني المهدور, والذي تم الترويج إليه من خلال الإعلام العربي الذي تآمر على قضية فلسطين, من أول يوم, بأساليب كثيرة ومتعددة يطول شرحها.. كان أهمها اختراع مسميات "دول المواجهة" ودول "الطوق" والمقاومة والممانعة، مع أن هذه الدول لم تطوِّق عدواً, ولم تواجه محتلاً، وصار الفلسطينيون "لاجئين" ثم "نازحين" ثم "مبعدين" ثم "فلسطينيو الشتات" مسميات هي عبارة عن هويات أعطيت للفلسطينيين, تعدهم بالعودة إلى فلسطين.. ولكن هيهات.
لم يعمل أحد بصدق من أجل فلسطين, ولم يرحم أحد شعب فلسطين, ووضعت قضية فلسطين كلها من قبل المتآمرين في قالب صغير مشبوه اسمه "حق العودة أو التعويض" وتآمر البعض فأصبحوا يتحدثون بوقاحة عن "الوطن البديل".
لكن وفي الأيام التي مضت أثبتت "غزة" المحاصرة من العرب وغير العرب منذ سنين, أن الشعب الفلسطيني قادر على الثبات, وقادر على مقارعة "إسرائيل" وقادر على طرد اليهود من كل فلسطين، وثبت لكل ذي بصيرة أن الكيان الصهيوني ما هو إلا قلعة من رمل, وأنه مازال كياناً كرتونياً ضعيفاً وهشاً, وكأنه في ساعة ولادته الأولى, وثبت أن هذا الكيان سهل الإزالة, يعيش معتمداً على ماء الحياة الذي يأتيه من بعيد, وأنه من غير جذور.
وستثبت الأيام القادمة, إذا كان العرب يريدون حقاً تحرير فلسطين, فإنه، واستفادة من تجربة "غزة النصر"، عليهم فقط تسليح الشعب الفلسطيني, في غزة, وفي الضفة الغربية, وفتح الحدود معهم فقط، وباستطاعتهم بعد ذلك أن يجلسوا متفرجين.
يا أهل غزة، بل يا كل العالم العربي: إن خرجت غزة من هذه الموقعة، وهذه المعركة منتصرة، وهي إن شاء الله كذلك، فإن توازنات القوى تكون قد اتخذت بعداً جديداً، وموقفاً آخر.
الإرادة أقوى سلاح، وأقوى من كل سلاح بيد جيش العدوان، شتان ما بين من يتدرع بالإيمان ومن جاؤوا بالمدرعات يحتمون بها، وقلوبهم ترتجف، وأقدامهم وهم من خوف الموت في موت.
كيف انتصرتم عام 2009، وكيف سقط الجولان.. الجولان! وسيناء والضفة في الدقائق الأولى؟ إنه الإيمان الذي لا يخذل بإذن الله.. ويقيني أن هذه آخر مقامرات «إسرائيل»، والأيام القادمة حاسمة فيما أرى، فاصبروا واحتسبوا ولأيامكم هذه ما بعدها.
وستثبت الأيام القادمة كذلك, إذا كان العرب مازالوا يعملون على إدامة وجود اليهود في فلسطين, لفترة زمنية أخرى, عند ذلك سنرى أن جميع الأطراف, سوف تسعى للقضاء على الجناح العسكري في "حماس"، لأن "عسكرية" حماس, خطر على اليهود, مثلما هي خطر على المُطبِّعينَ مع اليهود" والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون".
رائد محمد سيف
غزة الصمود والنصر 1925