أرى البشائر تترى في نواحيها.. من بعد يأس طغى من فعل طاغيها
((وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسِدُن في الأرض مرتين، ولتعلُن علواً كبيرا فإذا جاء وعدُ أولاهما بعثنا عليكم عباداً لنا أولي بأسٍ شديدٍ فجاسوا خلال الديار وكان وعداً مفعولاً * ثم رددنا لكم الكرة عليهم وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم أكثر نفيراً * إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها فإذا جاء وعدُ الآخرة ليُسوؤوا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علوا تتبيرا)) الإسراء [4 ـ 7] ثم جاء في آخر السورة نفسها ((وقلنا من بعده لبني إسرائيل اسكنوا الأرض فإذا جاء وعد الآخرة جئنا بكم لفيفاً)) الآية (104)..
من الآيات الأربع الأولى، والآية الأخيرة، وغير ذلك مما جاء في القرآن الكريم وصف حالة بني إسرائيل وطبائعهم ونفسياتهم اللئيمة.. يظهر أنهم فصيل من البشر جُبل على الشر والفساد، ولا يستقر لهم قرار، ولا يؤمن لهم جانب، ولا يؤتمنون على شيء إلا خانوا، ولا يبرمون عهداً إلا نقضوه، ولسنا هنا بصدد تفسير الآيات التي اختلف حول فهمها العلماء قديماً وحديثاً، لكنني أُنبه إلى أنه لا يوجد كتاب وصف طبائعهم وكشفها مثل القرآن، وانبه أيضاً إلى أنه لا يمكن حصر تلك الطباع من أجيال منهم مضت، أو حصر فسادهم وإفسادهم في الماضي أيضاً، ولا يحسب عليهم أولهم علو مشروع تحقق في عهد موسى بعد أنهزام الظلم الفرعوني واندحار الطغيان بقدرة الله عز وجل إكراماً لنبي الله موسى وأخيه هارون ومن آمن معهما، ومن اضطها بغير حق، وكذلك العلو والقوة في مملكة نبي الله داوود الذي جاء بعد نصر الله لجماعة طالوت المؤمنة المجاهدة، منهم نبي الله داوود، على جبار عنيد هو جالوت، جاء قتله على يد داوود عليه السلام، وقد أعد الله داوود للنبوة والرسالة، وآتاه ملكاً عظيماً مع علم وحكمه، ولا لهم أيضاً علو نبي الله سلمان الذي استجاب الله له علم وحكمه، ولا لهم أيضاً علو نبي الله سليمان الذي أستجاب الله له فوهب ملكاً لم يكن لأحد من قبله، ولا يكون لأحد من بعده سخر الله له الجن والأنس، والوحوش والحيوانات والطير إكراماً وإجابة لدعوته: ((قال رب إغفر لي وهب لي مُلكاً لا ينبغي لأحد من بعدي إنك أنت الوهاب فسخرنا له الريح تجري بأمره رُخاءً حيث أصاب والشياطين كل بناءٍ وغواص وآخرين مقرَّنين في الأصفاد)) سورة ص [35 ـ 38]..
فكل هذا كان علو قوة وعلم وإيمان، لم يصحبه تعالٍ، ولا تبكر ولا تجبر ولا إفساد فهو بعيد عن النفسية الإسرائيلية المقيتة كما هو عليه الآن، ومضى عليهم مثل هذا كذلك لا ينبغي أن يتطرق إلى ذهن أحد منا أن النفسية الإسرائيلية قد هذبها العلم والمعرفة، والديمقراطية، وسلوكهم السلوك الغربي فيما يتصل برقي الحياة المعيشية، التعامل فيما بينهم، فهم قد أخذوا بذلك لكنهم بقوا على فسادهم وطوروه، وإفسادهم وعمموه حتى في الغرب الذي استطاعوا أن يضللوه، بل استحمروه، وسخروه، حتى أصبح نصيراً لمجرمي العالم، عدواً للمظلومين، المقهورين!! يسمى الأشياء بغير أسمائها: فالمعتدي يدافع عن النفس، والمعتدى عليه إرهابي يجب أن يتعاونوا عليه كلهم، والأمن خوف، والخوف أمن، وحقوق الإنسان ليس لكل إنسان خاصة العربي والمسلم بصفة عامة.. بهذا الاستحمار اليهودي للغرب الحاقد علا اليهود علواً كبيراً، وصاروا أكثر نفيراً "نفوذاً، وتأثيراً" واستبداداً بغيرهم"..
ولكن الله لكل الظالمين بالمرصاد، ولا أظن أن المهلة من الله للظالمين ستستمر فقد آن للظالمين أن ينالوا جزاءهم من الدنيا، وما ينتظرهم في الآخرة أشد، حتى لو كانوا مسلمين، ولقد آن للمظلومين أن يستبشروا أن ينتصروا، أن يحاسبوا ظالمهم حساباً عادلاً، وقد بدأت بشائر ذلك تململ المظلومون كثيراً وصبروا طويلاً، وشكوا، وبكوا، وتأوهوا، وتساءلوا كثيراً، متى نصر الله ؟ سمع السميع المجيب، فأجاب: ((ألا إن نصر الله قريب))..
البشرى اليوم؟
البشرى اليوم بشرى التغيرات السريعة، المتتابعة مما جعل الظالمين وزبانية الظالمين، وعبيد الظالمين، وفاقدي القيم النبيلة، والكرامة، يتذمرون، وينفرون كأنهم حمر مستنفرة، فرت من قسروة "أسد" فصاروا يكيدون، ويخبطون خبط عشواء، ليجهضوا بداية التغيير إلى الأفضل، وهيهات، هيهات.
بدأ أصحاب الحقوق المسلوبة بالتأوه، وانتهى بزئير ونفير سلمي، وما كان يردد سراً، أصبح يعلوا دون خوف من أحد، حتى سمع الغافلون ، ورحم الله الزبيري:
والحق يبدأ في آهات مكتئبٍ.. وينتهي بزئير ملؤهُ نِقمُ
إن الآنين الذي كنا نردده.. سراً غدا صيحة تصعى لها الأمم..
معالم بداية السقوط الصهيوني
1. ما قد وصلوا إليه من العلو المادي، والنفوذ ووفرة المال والسلاح فذلك علامة الوقوف ثم التراجع
لكل شيء إذا ما تم نقصان.. فلا يُغر بطيب العيش إنسان
هي الأمور كما شاهدتها دول.. من سره زمن ساءته أزمان
2. السقوط القيمي والأخلاقي: فلا صدق، ولا وفاء، ولا حياء، ولا رحمة، ولا إنسانية، ولا قبول للآخر، ولا أعترف بالحقوق، ولا عدل إلا لهم:
3. ما قد وصل إليه العرب ـ خاصة الشعوب ـ من شعور بالمهانة وضياع الكرامة..
4. الثورات العربية السلمية التي بهرت العالم، وأرعبت الظالمين، وكادت تقصف بكل المتاجرين بالقضايا الكبرى، والمتآمرين والمرجفين.
5. رجوع بعض الدول الإسلامية، ونهوضها، وحنينها إلى الأخوة الإسلامية الجامعة
معالم بداية صعود العرب
1. الوعي الذي وصلوا إليه بعد غياب مريب وغريب رغم وجود تعليم وإعلام؟!
2. تمكن الفئات المؤثرة في العالم العربي من إزالة الغشاوة عن كثير من أبناء الأمة، ولذلك التحمت الشعوب بهذه الطلائع الصادقة.
3. الثورات العربية المتتالية، لا شك، أحدثت وضعاً إيجابياً شجع على الاستمرار والإصرار، حتى تجنى الثمار.
4. بداية التغيير العلمي في البلدان التي قد تحررت من ظالميها، ومغتصبي حقوقها.
5. التنبه في الدول الأخرى إلى ضرورة إصلاح أوضاعها، المسارعة في ذلك ولو أنها أحسن حالاً من الدول التي ثارت شعوبها.
هذه معالم البشرى التي أرمقها من بعيد بتفاؤل شديد، والله يتولى الصالحين والمظلومين والمقهورين. وإلى بشرى أخرى.
د.غالب عبدالكافي القرشي
بداية السقوط الأسرائيلي والصعود العربي؟! 2350