الوضع في مالي والسبل الكفيلة لتسوية الأزمة في هذا البلد, تصدرا المباحثات لاسيما في ظل تحفظ الجزائر ويبدو أن كلنتون تمكنت من إقناع الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة بحتمية التدخل العسكري في شمال مالي.
وإذا كانت واشنطن لم تكن متحمسة حيال تدخل عسكري شمال مالي، إلا أن زيارة كلنتون إلى الجزائر مؤشر على أن واشنطن غيرت موقفها، كما أن الزيارة تعكس السباق بين الولايات المتحدة وفرنسا باتجاه تدخل عسكري.
موافقة الجزائر على التدخل العسكري المشروط يعطي مجموعة دول غرب أفريقيا الضوء الأخضر لتنفيذ الخطة العسكرية لاستعادة الشمال من قبضة الحركات المسلحة، واشترطت الجزائر على أن يقتصر التدخل العسكري على استخدام قوات ميدانية إفريقية والاكتفاء بدعم لوجيستي واستخباراتي فرنسي وأميركي.
وقد توجهت الدبلوماسية الأميركية والفرنسية إلى الجزائر نظر لتجربتها الاستخباراتية وتجربتها في مواجهة الحركات المسلحة منذ سنوات، ناهيك عن اشتراكها مع مالي بوجود طوارق على أراضيها.
من جانبه أمهل مجلس الأمن, قادة دول غرب إفريقيا حتى 26 من نوفمبر لتحديد خططهم حيال نشر قوة عسكرية في شمال مالي، أما الجزائر فقد عززت من شبكة الاستخبارات والمراقبة على حدودها مع مالي، بعد شهور من الجدل والانتظار، أعلن وزير الدفاع المالي العقيد/ يوموسا كامارا السبت الماضي توصل بلاده والمجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا إلى اتفاق يقضي بإرسال عدد من جنود هذه المنظمة – نحو 3300 جندي- إلى شمال مالي من أجل دحر الإسلاميين – جماعة أنصار الدين- الذين يسيطرون على هذه المنطقة منذ مارس/ آذار الماضي على خلفية الانقلاب العسكري الذي أطاح بحكم الرئيس المنتخب ديمقراطياً أمادو توماني توري.
واشترط ممثل مالي من المنظمة أن تكون العاصمة باماكو المقر العسكري الرسمي لهذه القوة، وغداة الإعلان عن هذا الاتفاق المبدئي أبدى رئيس دفاع ساحل العاج بول كوفي ارتياحه إزاء التنسيق العسكري: "عندما نتحدث عن القوات العسكرية، نعني قوات المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا ولا نقصد أية قوة أجنبية أخرى، الحكومة المالية غير مستعدة للتفاوض على كل شيء "إنه اتفاق ايجابي بالنسبة لنا، لقد حان الوقت لاستخدام القوة ضد أولئك الذين يحتلون مناطق من بلادنا ويريدون فرض الشريعة الإسلامية".
إن التدخل العسكري سيكون الحل الأخير ولابد أن يسبقه التفاوض من أجل إنهاء النزاع بطريقة سلمية ودون إسالة الدماء، إن الدولة المالية غير مستعدة للتفاوض حول بعض المطالب الحساسة، مثل تقرير مصير حركة أزواد الانفصالية أو تطبيق الشريعة الإسلامية في مدن الشمال أو المساس بالوحدة الوطنية، الحل العسكري سيفرض نفسه في هذه الحالة وقوات من المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا ستتدخل لحسم الوضع في الشمال.
إن لمالي الحق في طلب المساعدة العسكرية من المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا لتحرير شماله، لأنه شارك هو أيضاً في عدة عمليات لحفظ السلام والأمن في دول هذه المجموعة، كنا نتمنى أن نحل الأزمة بالحوار، لكن يبدو أن الجهاديين لا يؤمنون بالحوار، والدليل أنهم لم يستشيروا سكان تمبوكتو وكيدال وغاو عندما فرضوا عليهم حكم الشريعة الإسلامية.
إن سكان مناطق الشمال يعانون من سيطرة الجهاديين وهم يأملون أن يأتي أحد لكي يحررهم، لا يوجد أي شخص في مالي يريد الحرب، وحتى رئيس البلاد تراوري ديانكوندا قال مراراً: إنه مع الحوار لاسترجاع شمال البلاد، لكن يبدو أن صبره نفذ والحل العسكري بدأ يلوح في الأفق.
وجديراً بالذكر تشهد مالي أزمة سياسية صعبة منذ منتصف شهر مارس الماضي بعد الانقلاب العسكري الذي أطاح بنظام الرئيس أمادو توماني توري الذي انتخب بصورة ديمقراطية، وساعد عدم الاستقرار السياسي إسلاميي أنصار الدين وانفصاليي حركة أزاواد على السيطرة على شمال البلاد وفرض نفوذهم عليها، ورغم التعبئة الشعبية من أجل دحرهم، إلا أن الخيار العسكري لم يتجسد على الميدان، ما ينذر باستمرار الأزمة شهور أو سنوات.
أصبحت زيارة وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون إلى الجزائر من أهم أحداث الأسبوع المنصرم، بالرغم من أنها لم تستقطب اهتمام المحللين والمراقبين السياسيين، حيث أصبح الوضع في مالي الموضوع الرئيسي للمحادثات بين كلينتون من جهة والرئيس عبدالعزيز بوتفليقة من جهة أخرى، ويشير المراقبون إلى أن واشنطن تحاول إقناع السلطات الجزائرية بعدم المشاركة في عملية عسكرية في مالي للقضاء على الانفصاليين وقبائل الطوارق مع أن مجلس الأمن الدولي كان قد صادق على إدخال قوات دولية إلى مالي بقوام قدره 3200 جندي من دول أفريقيا الغربية أغلبها من نيجيريا التي ليس لديها خبرة في القتال في الظرف الصحراوية.
إن مشاركة الجيش الجزائري يمكن أن يلعب الدور الرئيسي في استقرار الوضع في البلاد، مع أنه لا توجد هناك رغبة جامحة لدى الجزائريين أنفسهم بإرسال جنودهم للقتال خارج بلادهم، إن عدم رغبة الجزائر بالمشاركة في عملية عسكرية في مالي أمر مفهوم تماماً، فمازالت الحرب الأهلية حية في ذاكرة الجزائريين، ولكن بالرغم من نجاح السلطة في توطيد الهدوء النسبي إلا أن الوضع المتأزم مازال مستمراً.
والآن يريدون من البلاد المشاركة في الأحداث التي تشهدها شمالي مالي ومن الواضح أن هذا محفوف بحدوث انفجارات في الجزائر واستمرار الأعمال العدائية الفعلية في المناطق التي تم السيطرة عليها مؤخراً، والكل يعلم بأن اجتياح الجزائر لمالي سيثير جماعات الطوارق والمتطرفين في الجزائر نفسها وسيعملون على زعزعة الأوضاع فيها، ولهذا لا يرغب الجزائريون في التورط بهذه الأزمة بالرغم من أن الغرب يدفعهم إلى القيام بهذه العملية لكي يستفيد من العتاد والقوات المسلحة الجزائرية وعدم استخدام قواته وأسلحته، وواضح أن الجزائر غير مهتمة بهذا أبداً، إنما في الحقيقة يمكن معارضة ما تم ذكره سابقاً، فمن المستبعد أن تكون السلطات الجزائرية مرتاحة لوجود تشكيلات متطرفة في شمال مالي.
هناك فرق بين أن تحمي حدودك وبين أن تقاتل في بلد غريب، على كل حال من السابق لأوانه أن نضع نقطة حول موضوع مشاركة الجزائريين في تسوية الأزمة في مالي، كما من الواضح أنه من المستبعد أن يتمكن الأمريكيون من إجبار السلطات الجزائرية على إرسال قوات إلى مالي بالطرق الدبلوماسية، على الرغم من الهدوء النسبي في الجزائر علينا ألا ننسى الجماعات المسلحة المتطرفة التي تعمل تحت غطاء الجبهة الإسلامية للإنقاذ وهذه المنظمة قد تصبح أداة بيد الغرب لزعزعة الاستقرار في البلاد.
وهنا أريد أن أذكر بأنني تنبأت باحتمال حدوث هكذا سيناريو منذ بدء النزاع الليبي وهذه هي وسيلة فعالة للضغط والجزائر الآن في وضع معقد جداَ، ومع ذلك حتى ولو تمكنت البلاد بشكل أو بآخر من التهرب من المشاركة المباشرة في العمليات العسكرية في مالي فإنه من السذاجة أن نعتقد بأن الجزائر يمكن أن تحمي نفسها نهائياً من عواقب هذه العملية، إن من أهم المشاكل التي يمكن أن تواجهها الجزائر هي تدفق اللاجئين إليها ومن بينهم جماعات الطوارق والمتطرفون.. وهنا لابد أن نذكر بأن تدفق الطوارق والمتطرفين من ليبيا بعد عدوان الحلف الأطلسي هو ما أثار الأزمة الحالية في مالي.
× كاتب مصري دكتور في الحقوق وخبير في القانون العام
د. عادل عامر
أزمة مالي بين الحوار السياسي والتدخل العسكري والأطماع الخارجية 2726