بعد فرحة الناخبين الفرنسيين بفوز فرانسو هولاند لرئاسة فرنسا تعود الآن لتواجه واقعاً مراً وقاسياً يتمثل في تفشي البطالة وزيادة الضرائب وتخفيضات الميزانية التي فرضها اقتصاد راكد لا يحقق النمو وأزمة ديون خطيرة تتخبط فيها أوروبا، ويعزى ذلك جزئياً إلى حقيقة أن هولاند ظل يعارض خلال الحملة الانتخابية الإجراءات التقشفية التي رسم خطوطها الرئيس السابق ساركوزي، حيث كان يشير إلى أن استعادة النمو الاقتصاد تمثل الوصفة الأفضل لتقليص الدين بشكل تدريجي، فقد وعد هولاند بإعادة التفاوض حول إتفاقية تلزم بلدان الاتحاد الأوروبي بعدم تجاوز سقف 3% من الناتج المحلي الخام كحد أقصى لديونها، وبعد فوزه استمر رأية على اتفاقية مكتملة تشمل عدداً من برامج النمو الممولة سابقاً من قبل الاتحاد الأوروبي..
هناك حاجة إلى قرابة "40" مليار دولار من أجل تحقيق توازن الميزانية بشكل يكفي للاقتراب من رقم الـ3% المنصوص عليه ضمن اتفاقية الاتحاد الأوروبي المالية، البطالة تجاوزت 3 ملايين شخص وهو معدل وصل إلى نحو 10% وأن عدداً متزايداً من الشركات تعلن عن تسريح العمال بسبب عدم تحقيق النمو.. وقد وعد هولاند أيضاً بأن النقص المسجل في الميزانية سيتم سده من ثلاثة مصادر متساوية تقريباً: خفض الانفاق الحكومي، وزيادة الضرائب على الشركات، وزيادة الضرائب على الدخل أو أية ضرائب شخصية أخرى.
يشعر العديد من الناخبين الفرنسيين باليأس من قدرته على تحقيق الرؤية التي صوتوا له من أجلها، وسيكون من الصعب بالنسبة لهولاند أن يجعل اقتصاد فرنسا الراكد يقف على قدميه مرة أخرى مع اقتراب دولة أوروبية كثيرة من الركود ومكافحتها لحل أزمة ديون سيادية بدأت قبل 3 سنوات، ويبدو أن العديد من مؤيديه السابقين يسألون أنفسهم عما إذا كانت لديه خطة من الأساس، بينما تتوالى الأحداث أمام إئتلافه الحاكم بدلاً من أن يشكلها.
وجهت للرئيس الفرنسي اتهامات بأنه انحرف عن المسار شيئاً فشيئاً وحتى الآن مازالت هناك فجوة بين وعوده بخلق وظائف وحقيقة قاسية متمثلة في أعلى معدل للبطالة خلال 13 عاماً، وهناك في الأفق المزيد من إجراءات لتسريح الموظفين وتوقف النمو الاقتصادي عند الصفر.
كما أخفق هولاند في تصوير ميزانية عام 2013م، كخطوة ضرورية لضبط الانفاق العام.
وفي سبتمبرالماضي كشف هولاند عن تجميد للانفاق الحكومي وزيادات ضريبية لجمع "30" مليار يورو و"39" مليار دولار وإعادة العجز العام إلى نسبة 3 % من الناتج مثلما وعد شركاءه في منطقة اليورو، لكن في غضون أيام سارعت الحكومة الفرنسية للتخفيف من زيادة ضريبة الأرباح على مبيعات الأسهم بعد حملة على الأنترنت شنتها جماعة مجهولة وصفتها بأنها مثبطة لعزم أصحاب الأعمال.
ومن الأضرار الأخرى التي وقعت تشكك واسع النطاق في تأكيد الحكومة بأن أصحاب الدخول الأكبر ونسبتهم 10% هم فقط من سيتأثرون، وأن أبناء الطبقة الوسطى سيتضررون أيضاً، وأظهر مسح أن 54% من الفرنسيين يعتقدون أن الميزانية غير عادلة وبشكل عام فإن سياسات الحكومة تعتبر غير ملائمة لمعظم قطاعات السكان، وهناك شعور متنام بأن الوعود التي قطعها هولاند أثناء الانتخابات بشأن الوظائف والنمو تتعارض مع تعهدات بضبط الميزانية قدمتها فرنسا لشركاء في الاتحاد الأوروبي في ظل حكم الرئيس السابق ساركوزي..
ويشكك معظم خبراء الاقتصاد في فرنسا في أن تحقق البلاد هدفها الخاص بالنمو والذي يبلغ 0.8% وتستند إليه الميزانية، مما يعني إما وضع ميزانية تكميلية في أوائل 2013م أو المجازفة بعدم تحقيق الهدف الخاص بالعجز تماماً.. وبذلك يصبح هولاند أمام خيار لا يحسد عليه، فإما أن ينأى بنفسه عن مسار الميزانية المنضبطة وتحيط المستشارة الألمانية ميركل وآخرين، أو يتخذ المزيد من إجراءات التوفير التي قد تدفع الاقتصاد نحو ركود كامل.
هامش:
1. الاتحاد الاقتصادي 1/10/2012م
2. الاتحاد الاقتصادي 5/10/2012
3. الاتحاد الاقتصادي 9/10/2012
د.علي الفقيه
فرنسا: شهور بصل بدلاً من العسل 2203