أبيضت عيناها، ولا تدري أي طريق تسلك لترمي بأكوام الأحزان التي قيدتها، صنعاء هآنذا أغادرها وفي قلبي ألف غصة، وغصة!، فهي عروس متجددة ولا ينقصها سوى محبة أهلها وحكومتنا التي تدير أمور البلد من قلبها .
من على الطائرة قبل شهر ونصف آليت على نفسي إلا أن أتأملها من الأعلى وأدقق في الاستمتاع بطولها وعرضها والتوسع العمراني كطفرة لم تشهدها اليمن من ذي قبل.
فالأرض التي كانت موحشة قبل أعوام قليلة وكنت سترفض أن تأخذها ولو بالمجان أن أعرضت عليك أصبحت مزدهرة، وتحتاج لعمل متواصل لسنوات قد تساوي نصف عمرك لتستطع شراء قطعة أرض تشيد بها منزل صغير .
الله يا صنعاء كم أنتمي لك حباً وأنا ربيب العشق لمدينتي الحالمة تعز، علمني سحرك يا صنعاء أن أعشق مدن اليمن جميعاً وأن أباهي بك عواصم العالم التي سبقتنا تطوراً وعمراناً .
كنت قد تطلعت في يوم قبل أعوام عدة بأن تنتقل عاصمة اليمن إلى مدينة أخرى كعدن، كونها الأكثر ملائمة لتصبح عاصمة، وكان سر تطلعي نابعاً من الوعي القبلي الذي يحاصر صنعاء ويسلبها كل مقومات المدنية ويجهض كل المحاولات المتلاحقة لتشيد دولة النظام والقانون والمواطنة.
القبائل تحيطها على أطرافها وتزحف لتصبح في قلبها وتنظر - أي هذه القبائل - إلى الدولة ككل كغنيمة مستخدمة وسائل عدة لتراكم الثروة، وكلما عاودت الفكرة رأسي كنت أبحث عما يجعل فكرتي تتعزز في أعماقي كي أنذر نفسي للدفاع عنها كفكرة آمنت بها، فكان هناك مطلع تسلم المشير/ عبدربه منصور هادي دفة الحكم في البلد مطلب شعبي واسع وانقسام حاد في صنعاء ومشاعر الحراك في الجنوب وملائمة نقل العاصمة إلى عدن وتوفر عامل الإسناد من قبل النخبة وتبني الدفاع عن الفكرة، ولكن غاب عنصر الطمأنة لجميع الأطراف كي تتم عملية التحول بيسر وواجه الرئيس هادي ضغوطات عدة، عوضاً عن إسناد قراراته وإن لم تعجب البعض والاعتراف بالشرعية التي يتمتع بها .
كانت الفكرة تحتاج إلى إسناد حقيقي منظم، متجاوزاً طريقة الإسناد عبر الخطب المفرغة لتحتضنه كتلة مدافعة وتوافرها كقوة إسناد حقيقية، ليتم التعاطي مع الفكرة كواقع أفرزته حاجة الوطن، حينها وفي ذروة تنامي هذا المطلب تخوف البعض من عدم قدرته على المساومة، فيما إذا نقلت العاصمة رغم الحاجة الوطنية وكان البعض يرى - بتفاؤل مبالغ فيه- أن البنية التحتية التي تلزم نقل العاصمة ممكنة وبيسر.
هذه بعض أسباب أمنياتي بنقل العاصمة، وبالمقابل اخترت عدن، كونها تمتاز بموقع جغرافي ومنطقة مفتوحة قابلة للتوسع وتجبر من يدلفها أن ينصاع لمدنيتها وتكسبه ثقافتها التي تستوعب الجميع .
السنوات كانت كفيلة بأن تجعلني أزداد يقيناً بأني ومن وافقني أخطأنا في هذا التطلع، فصنعاء لا سواها هي العاصمة الأكثر ملائمة، ويلزمها الكثير لنوقن بأنها فعلاً الأنسب ولعل بعض الاحتياجات تتمثل بتدمير الوعي القبلي المتمثل بثقافة النظر لثروات البلد كغنيمة عبر التنمية وتفعيل دور المؤسسات وبمقدمتها التعليمة في المجتمعات القبلية، أضف لهذا احتياج العاصمة لمحبة أبناءها وتفانيهم في تطبيق القوانين التي تكدست في أوراق فقط وتحول كل فرد لعنصر فعال وخادم لفكرة التمدن التي يجب أن تكون عليها العاصمة .
أعود إلى صنعاء هذه العاصمة المترامية الأطراف وإلى البنية التحتية التي شيدت بها ولكأني أرى أن ثروة اليمن التي سلمت من عبث اللصوص صبت في هذا المدينة فحسب، وكجزئية بسيطة، الجسور التي شيدت لتخفيف الاختناق كفيلة لبناء مدينة أخرى، فكم من الأعوام وثقافة الإخلاص والنزاهة وحب الوطن نحتاج لتأهيل مدينة أخرى تغدو ملائمة لنقل العاصمة إليها؟!.
× غصة وطن :
آزال يا مدينة تعانق القلوب دواء للجراح
عشق يخدرني فما أقوى لبعدك كلما في الأفق ضوءك قد تلألأ ثم لاح
صنعاء راودني خيالك.. وللفؤاد غازياً وجيشاً استباح
أحمد حمود الأثوري
آزال عاصمة لا سواها!! 2101