لقد أحس الشاه بغرور الطاووس ونازعته نفسه إلى إحياء الزرادشتية المجوسية ولينفذ وصية والده التي قال له فيها: لقد حررت الشاطئ الشرقي من العرب وعليك أن تحرر الشاطئ الغربي. فأعلن عن تصميم بلاده لتكون خامس دولة عظمى عسكرياً تؤهلها للسيطرة على الخليج في المرحلة الأولى مستغلاً الوسيلة المذهبية ومستعيناً بالأقليات الإيرانية في البلدان المجاورة.
إن كل الدراسات الأركوبولوجية والأبحاث الانتروبولوجبة أثبتت أن عيلام- عربستان جزء لايتجزأ من الأراضي العراقية العربية وأن ولاءها في ذلك الوقت للدولة العثمانية إنما كان وفقاً لانتقال الخلافة الإسلامية من قبيلة قريش العربية إلى قبيلة ( الغزّ) التركية في أرض العيلاميين.
ومع سقوط الشاه وظهور الإمام الخميني في شباط من عام 1979 أخذ الحلم الفارسي يكبر ويتوسع ويوم رفعت ثورته شعار ولاية الفقيه كشفت عن نواجذها ومخططها لتصدير الثورة الإسلامية مع أن بعض الفرس رغم دخولهم الإسلام ظلوا سراً على مجوسيتهم تعتلج في صدورهم نيران زرادشت فهم الذين اغتالوا عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب رضي الله عليهما وتآمروا على سقوط الدولة الأموية وأربكوا الدولة العباسية..
قرر الإمام الخميني أن يكون العراق هدفه الأول، فصرح يوم 16 حزيران 1979 أن إيران ستطالب بفرض سيادتها على بغداد إذا ما أصرت على المطالبة بالجزر العربية الثلاثة وقال وزير خارجيته إن عدن والعراق تابعتان لإيران والمعروف عن الإمام الخميني أنه يكره حتى ذكر العرب ويدعي أن العراق فارسي وكانت أولى إنجازاته بعد دخوله طهران أنه أمر بتغيير التقويم الهجري الذي كان متبعاً إلى التقويم الفارسي.
لقد تبين للكثير من المراقبين أن هذه الثورة مقنّعة لا يعرف أحد مغزاها تحمل طابعاً عرقياً وشعوراً مسعوراً ضد العرب وتخطط لبسط السيطرة الفارسية على المنطقة بإثارة التفرقة المذهبية.. من هنا يتبين سر التقاء الخميني مع النظام السوري حيث عقدا اتفاقاً سرياً بينهما للسيطرة على الهلال الخصيب ثم الحجاز ومصر..
فالإمام أقام منذ البداية مركزين لتدريب العملاء والمخربين أحدهما في قمّ والثاني في طهران تمهيداً للزحف العسكري والإمساك بمسالك الخليج العربي وحافظ الأسد استولى على لبنان بحجة إيقاف الحرب الأهلية التي كان يؤجج نارها بالتناوب كلما خمدت وحاول التطاول وبسط السيطرة أيضاً على الأردن لكنه فشل حتى في اغتيال رئيس وزرائه مضر بدران، كذلك فعل في تمزيق الوحدة الوطنية الفلسطينية..
كبر هذا الحلم أكثر مع مجيء خلفاء الإمام الخميني ومع ارتفاع مداخيل النفط وشعور النظام الإيراني بالقوة، فامتد تآمره إلى سورية ولبنان وفلسطين والبحرين واليمن ساعدهم في ذلك أننا كشعب نفتقر إلى درجة الارتقاء للولاء الوطني والقومي.
إن عالمنا العربي يعيش حتى اليوم أحط عصور الفساد والانحطاط وبدل الولاء الجامع الذي يمكن أن يكون سداً أمام الأحلام الفارسية، صار لكل جماعة ولاؤها (( الإقليمي والمذهبي والقبلي )) المنفصل عن ولاء غيرها ورافق هذا التفكك تطور ديني مرضي أفرز مذاهب جديدة حيث نما الولاء الطائفي على حساب التدين والوعي الوطني.
ونرى اليوم نموذج هذا التفكك في الواقع اليمني حيث تتلاعب فيه القوى الإقليمية والخارجية لتثير حرباً بين الإخوة.. هذا التفكك مع تدني نسبة التعليم وإجهاض دور الصحافة في عالمنا شجع حكام إيران على المضي سريعاً لتحقيق طموحاتهم فكان العراق الضحية الأولى والتي يحاولون حتى الآن هضمها بالكامل والدور على البحرين واليمن غير.
إن المؤلم في هذه المرحلة الخطيرة إن شعبنا اليمني إن لم يستطع وقف هذه المؤامرة التي لو نجحت لا سمح الله فقد تغير معها الجغرافيا والتاريخ في المنطقة فالنظام اليمني السابق تهاوى في ظل ثورة شباب اليمن الحر الذي أبى أن يظل مستعبداً من قبل مجموعة من المصلحين والانتهازيين.
فعلي عبدالله صالح استطاع خلا ل فترة تسلطه على اليمن أن يؤسس علاقة مع النظام الإيراني بعد لعبته التي مارسها في حرب العراق وإيران من خلال دعمه للجيش العراقي آنذاك من خلال إرساله الكتائب من الجنود اليمنيين في الحرب مع العراق ضد إيران، وكذلك تمكن من أن يوفر للنظام الإيراني مناخاً مناسباً من خلال خلق الحركة الحوثية في صعدة لتكون فصيلاً جديداً من الحركات الموجودة في اليمن، الأمر الذي مهد لهذه الحركة بأن تحاول نشر فكرها الشيعي في اليمن عبر إيفاد الطلاب الدارسين إلى إيران ومن ثم توظيفهم في مناصب رفيعة في الدولة، الأمر الذي ساعد على إنشاء علاقات قوية مع النظام الشيعي في إيران ومكن الحركة من توسيع نشاطها من خلال بعض التجار الذين تم استقطابهم إلى المذهب الشيعي.
لقد أعطى نظام علي عبد الله صالح الغطاء لإيران بأن تمارس نشاطها الشيعي في اليمن خدمة لمصالحه وطلباً لملء جيوب نظامه من المساعدات الخارجية تحت مسمى مواجهة الإرهاب الأهم من ذلك هو إيفاد الطلاب من اليمن إلى إيران بحجة الدراسة، ولم تكن إيران التي كانت تحوم حول اليمن لنشر مذهبها فيه منذ اندلاع الثورة الفارسية سنة 1979م والمسماة بالإسلامية لتفوت هذه الفرصة الذهبية، ولذا فقد سهلت لهم الوصول إليها بكل السبل، وراحت تستقبل بحفاوة العشرات من الموفدين نحوها ليس من أجل العلم وإنما لتقوم بصياغتهم صياغة جديدة وتزويدهم بجرع غسيل الأمخاخ التي تتقنها جيداً وذلك طبقاً لخطط مسبقة تم الاتفاق عليها.
ثم انفتحت شهية إيران أكثر فأكثر، ففتحت أكثر من قناة اتصال كي تعمل على إيفاد الطلاب اليمنيين إليها فراحت تستقبلهم من خلال الحوثي صنيعتهم في اليمن.
وفي وثيقة حديثة وسارية المفعول في عهد خاتمي نفسه أوضحت الغاية العظمى لهذه الدولة الشيعية؛ فقد أرسل مجلس شورى الثورة الثقافية الإيرانية رسالة إلى المحافظين في الولايات الإيرانية وكتب عليها: (سري للغاية) كان مما جاء فيها:
(الآن بفضل الله وتضحية أمة الإمام الباسلة قامت دولة الاثني عشرية في إيران بعد عقود عديدة ولذلك فنحن ـ وبناء على إرشادات الزعماء الشيعة المبجلين ـ نحمل واجباً خطيراً وثقيلاً وهو تصدير الثورة؛ وعلينا أن نعترف أن حكومتنا فضلاً عن مهمتها في حفظ استقلال البلاد وحقوق الشعب فهي حكومة مذهبية ويجب أن نجعل تصدير الثورة على رأس الأولويات.. لكن نظراً للوضع العالمي الحالي والقوانين الدولية ـ كما اصطُلح على تسميتها ـ لا يمكن تصدير الثورة، بل ربما اقترن ذلك بأخطار جسيمة مدمرة.. ولهذا فإننا من خلال ثلاث جلسات وبآراء شبه إجماعية من المشاركين وأعضاء اللجان وضعنا خطة خمسينية تشمل خمس مراحل ومدة كل مرحلة عشر سنوات لنقوم بتصدير الثورة الإسلامية إلى جميع الدول ونوحد الإسلام أولاً؛ لأن الخطر الذي يواجهنا من الحكام الوهابيين وذوي الأصول السنية أكبر بكثير من الخطر الذي يواجهنا من الشرق والغرب؛ لأن هؤلاء (أهل السنة والوهابيين) يناهضون حركتنا وهم الأعداء الأصليون لولاية الفقيه والأئمة المعصومين حتى إنهم يعدُّون اعتماد المذهب الشيعي مذهباً رسمياً ودستوراً للبلاد أمراً مخالفاً للشرع والعرف. وإن سيطرتنا على هذه الدول تعني السيطرة على نصف العالم ولإجراء هذه الخطة الخمسينية يجب علينا بادئ ذي بدء أن نحسن علاقاتنا مع دول الجوار ويجب أن يكون هناك احترام متبادل وعلاقة وثيقة وصداقة بيننا وبينهم حتى إننا سوف نحسِّن علاقتنا مع العراق بعد الحرب؛ وذلك أن إسقاط ألف صديق أهون من إسقاط عدو واحد. إن الهدف هو فقط تصدير الثورة؛ وعندئذ نستطيع رفع لواء هذا الدين الإلهي وأن نُظهر قيامنا في جميع الدول وسنتقدم إلى عالم الكفر بقوة أكبر ونزين العالم بنور الإسلام والتشيع حتى ظهور المهدي الموعود).
إن التحالف الحاصل بين أركان النظام السابق مع الحوثين لإفشال حركة التغيير التي تشهدها اليمن اليوم ليعد رسالة إلى العالم بأن صنيع الأمس أو الطفل الذي تبناه نظام صالح من قبل قادم وبقوة وكما صرح زعيم الحوثية قبل أيام من خلال ظهوره المفاجئ فيما يسمى بيوم الغدير أنهم سيواصلون نضالهم حتى تعود الولاية في الحكم للإمام علي كرم الله وجهه.
لذلك ينبغي أن تهتم الحكومة الحالية والحكومات التالية بتوضيح هذه الحقائق للشعب اليمني من خلال التثقيف الإعلامي والتربوي للأجيال ووضع سياسة توعية تمكن الجميع من الخطر المراد بهذا الشعب أن يقع فيه.. فالتاريخ لا يرحم من يستهين بالشعوب.. وعلى الذين مازالوا يدقون أبواب إيران ليستظلوا تحت المظلة الشيعية أن يصحوا من سباتهم وأن يعلموا أن الشعب لن يغفر لهم حتى ولو كانوا ممن صنعوا ثورة الحادي عشر من فبراير.. وإنا لمنتظرون.
فهد ناجي علي
المد الحوثي في اليمن... الخطر القادم من إيران 3101