على مفترق طريقين فرعيين تحت فندق السعيد " تعز" تكون عبر عقد من الزمن تجمعان سكنيان يفصل بينهما سلسلة صغيرة من التلول المتراشق على سفوحها العديد من أشجار التين, وفي الوسط يعقد بينهما جامع حديث البنيان عمره لم يتعد الست سنوات, قلما تجد فيه مصلين!!..
في السنوات الماضية, قبل الربيع الذي عبرت رياحه بلادنا كنا نسمع قصصاً عن البؤر الإجرامية في الحي الآخر الذي يسكنه خليط من أبناء المنطقة الأصليين, ووافدون من قرى شتى, من مختلف مديريات محافظة تعز..
(حرّير) هو اسم هذا الحي وما أدراك ما حرّير؟!..
عند عبورك لمفترق الطريق الذي يفصل بين "حرّير" والحي الآخر, لابد من ترديدك الشهادتين فربما أصابتك على مدخل الحارة رصاصة طائشة من سيل رصاصهم الذي لا يتوقف رعده ـ غالباً ـ من أول النهار وحتى آخره, خاصة إن عاكسك الحظ ودخلت للحارة المقابلة لحرّير في وقت متأخر.. حيث يشتد وطيس ضرب النار في عتمة الليل.. ولابد أنك ستقتل أو تسلب إن فكرت في الدخول لحرّير بعد حلول الظلام!.
معظم الأيام يستيقظ أبناء الحيين على خبر مصرع أحد المارين, أو أحد سكان الجوار, أو سرقة سيارته وإصابته بجروح بالغة الخطورة, أو حرق محل تجارته أو محاولة اقتحام منزل رجل غائب عن أسرته في حرّير أو أو..
تتناقل ألسن سكان الحي المقابل لحرّير تحليلات شتى للموقف, يقال بأنها تصفيات حسابات قديمة بين العصابات التي تكوّنت على مدار سنوات وشكّلت مافيا من شتى الألوان في (حرّير) ويقال بأنهم (بلاطجة) مأجورون يقومون بتصفيات جسدية لمن يدفع لهم ..ويقال بأن ما يحدث هذه الأيام في حرّير وعلى مداخل الحيين هو عمليات تصفيات منظمة بين الأحزاب ينفذها هؤلاء المأجورون ..ويقال بأنهم عصابات تهريب سلاح يختلفون أحياناً على تقسيم الغنائم ..والواضح أنهم كل هذا ..وأكثر منه ممارسات الدعارة التي فاحت رائحتها العفنة من هذا الحرّير المشئوم!!.
البلاغات المرفوعة لمديرية أمن (صالة) من قبل المواطنين بالعشرات, والمجرمون معروفون ومعلومون لدى أهالي (حرير) ولدى أمن مديرية (صالة) و بالاسم!!..
في ذات صباح قريب قبيل عيد الأضحى المنصرم دخلت سيارتا أمن إلى "حرّير" في محاولة لاستجلاء الأحداث والقبض على الفاعلين.. هكذا قيل للأهالي عندما رأوهم يقتحمون(حرّير) لكنهم خرجوا بعد دقائق صفر الأيادي!! وكانت الإجابة: لم نجد شيئاً!!..
وفي المساء ذاته عاد القتلة وعاد ضرب النار, وفي الأيام القليلة بعدها قتل وسلب العديد من المواطنين وحرقت محلات وانتهكت منازل لسكان تلك المنطقة وما حولها!!..
في أمسيات العيد وأهل المنطقة عائدون لبيوتهم بعد زيارات معايدة لأهاليهم خارج الحارة كثيراً ما يرون ملثماً حاملاً سلاحه يقف أمام أحد البقالين يشرب العصير وآخر يجلس على حافة الطريق, والمارة يلقون عليهم التحية!!
وإن سألت: من هذا الملثم أو ذاك؟؟ ستجد الكل يعرفهم, وربما يعرف مصارع قتلاهم بل وحتى عدد وأسماء ضحاياهم!..
وفي ليالي العيد من بعد العاشرة ليلاً تعزف الأيادي الآثمة في (حرّير) سيمفونية نشاز للحن الموت القادم من حرير.. وما يزال الوضع كما هو حتى لحظة كتابة هذه المقالة ..
ووسط كل هذا نسمع عن إعلان تعز مدينة للثقافة!! ذكرني ذلك بقصة "ماري إنطوانيت" إبان الثورة الفرنسية عندما قيل لها: فقراء باريس غاضبون, ثائرون..
قالت: لماذا؟!.
قالوا: لأنهم جائعون ولا يجدون رغيف العيش.
قالت: ولماذا لا يأكلون الفطائر؟!!.
نبيلة الوليدي
نريد الأمن ولا نريد الفطائر!! 2182