اشرنا في مقال سابق للعامل الاقتصادي كأحد العوامل الرئيسة لاشتعال ثورات الربيع العربي وفي إطار هذا المجال تناولنا في دراسات أكاديمية لنا أن الواقع السياسي والاقتصادي اليوم هو نتاج النظام العالمي الاقتصادي المعاصر الذي حددنا بداية نشأته بسقوط الاتحاد السوفيتي وانتهاء ما كان يسمى بالقطبية الثنائية المهيمنة على القرارات المتعلقة بالسلم العالمي من خلال منظمة الأمم المتحدة باعتبارها المثال الأبرز لهذا الوضع السياسي الذي هو انعكاس للواقع الاقتصادي وان كان ليس المثال الوحيد لهذا الأمر.
وذكرنا في هذه الدراسات الاقتصادية أن لهذا النظام ثلاثة عناصر يعتمد عليها هي تحديداً كالآتى:
1 ـ العنصر التكنولوجي واعتبرناه سبباً رئيساً لنشأة هذا النظام
2 ـ العولمة جوهر هذا النظام
3 ـ الآثار الاقتصادية والقانونية المترتبة على نشأة هذا النظام والتي منها دور المؤسسات الاقتصادية العالمية في الواقع السياسي والاقتصادي العالمي.
وتكمن أهمية هذا المقال أنها تقف عند تحديد هذا الدور وتحاول أن توضح للقارئ الكريم مدى الآثار التي يمكن تحقيقها من وراء هذا الدور إذا ما أحسن استغلاله سواء من قبل القائمين على هذه المؤسسات أو من قبل القائمين على اتخاذ القرار السياسي والاقتصادي في اليمن.
وفي ضوء ما سبق توضيحه نستطيع الجزم أن للعولمة باعتبارها جوهر النظام الاقتصادي العالمي المعاصر وهي تمثل الإطار العام الذي أتاح لهذه المؤسسات أن تقوم بدور مؤثر باستطاعتنا الجزم أن هذا الدور لهذه المؤسسات الاقتصادية يمكن من خلاله صناعة ربيع اقتصادي عربي رائع على غرار ربيع الثورات العربية مع تجاوز العديد من الآثار السلبية للربيع الأخير.
ولتوضيح الفكرة بشكل أوسع وبأسلوب مبسط نقول إن تنفيذ فكرة هذا المقال وتطبيقها على أرض الواقع يكون من خلال الالتزام بالاتي:
1 ـ قيام المؤسسات والمنظمات الدولية وفي إطار المناخ الاقتصادي والسياسي للعولمة بالتحكم الفاعل في أسلوب البناء الاقتصادي والرقابة الفاعلة على تنفيذ مشاريع التنمية في بعض الدول العربية مثل اليمن.
2 ـ يمكننا تحديد الدور السابق من مرحلة كتابة البحث باختيار الأبحاث القيمة والتي من الممكن أن تسهم في تحقيق تنمية مستدامة وواقع اقتصادي منتعش سواء تلك التي تقدم للمؤتمرات أو من خلال فتح منافذ دولية عبر منظمات معروفة تمكن الباحث العربي من تقديم أبحاثه ليتم تنفيذها وفق أسس ومعايير دولية وبواسطة الدعم المقدم للتنمية في اليمن ثم الاستمرار بالإشراف على تنفيذ هذه البحوث إلي مرحلتها النهاية بل والقيام بعد ذلك بقياس مدى الآثار الايجابية التي حققها هذا الدور على التنمية في دول نامية مثل اليمن.
3 ـ التوقف عن تقديم الدعم وتحديده من خلال مؤتمرات تمثل فيها الحكومة اليمنية والدول الداعمة، لأن تقديم الدعم بهذا الأسلوب لم يعد محققا لآثار ايجابيه على التنمية في اليمن أو غيرها من الدول النامية التي تشبهها في الواقع السياسي والاقتصادي والتي تعاني من حداثة قيام الدولة فيها وضعف بنائها وتفشي الفساد في أوصالها ومؤسساتها الرئيسة.. ذلك أن الدعم بهذا الأسلوب المتبع من سابق قد يوجه إلى قنوات لا علاقة لها ببناء البنية التحتية للاقتصاد اليمني أو بناء مشاريع إنتاجية تحقق آثار اقتصاديه مستقبليه تحسن من اقتصاد اليمن وبالشكل الذي ينعكس على الواقع الاجتماعي والسياسي للمجتمع اليمني ويحسن من المناخ الاستثماري فتتحق فوائد اقتصاديه كبيره للغاية للدول الداعمة التي على رأسها الدول الخليجية وتخفف من درجة الخوف لدى الأخيرة من أن الدعم سيقدم إلى حكومة في دولة تعاني من الفساد وبالتالي قد يتم تبديد جزء كبير منه.
4 ـ إن قيام الدول الداعمة للاقتصاد اليمني بالتحكم الفاعل بكيفية إنفاق هذا الدعم عبر مراحل المشاريع الإنمائية لليمن من شأنه أن يحقق العديد من الايجابيات للدول الداعمة وللمجتمع اليمني على حد سواء خاصة لو وضعنا في اعتبارنا أن الدولة في اليمن حديثة النشأة وأدركنا الآثار الكبيرة المترتبة على هذا الأمر والتي تشكل عائقاً رئيساً أمام استفادة المجتمع اليمني من الدعم المقدم له.
5 ـ يجب أن نتوقف تماماً عن توجيه الدعم إلى مشاريع استهلاكية غير منتجة.
ختاماً نوجه خطابنا إلي الدول الداعمة والمهتمين بالاقتصاد اليمني للاستفادة من الواقع السياسي والاقتصادي للنظام الاقتصادي العالمي المعاصر بالشكل الذي يحقق فوائد عظيمة لهذه الدول وللمجتمع اليمني على السواء والاستعانة بهذا الواقع الاقتصادي المعاصر للتغلب على الآثار الخاصة بالواقع اليمني التي تقف حجر عثرة أمام تحقيق استفادة قصوى من الدعم المقدم لها.
د. ضياء العبسي
العولمة السياسية والاقتصادية 2392