يراهن اليمنيون كثيراً على نجاح الجهود التي يقوم بها الرئيس عبدربه منصور هادي وكذا مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة جمال بن عمر وسفراء الدول العشر الراعية للمبادرة الخليجية واليتها التنفيذية في إقناع كافة الفرقاء على الساحة اليمنية على المشاركة في مؤتمر الحوار الوطني القادم الذي ستتسع طاولته لكافة القضايا المتفجرة والحساسة مهما كانت طبيعة تعقيداتها ودرجة الخلاف حولها.
ومما فهمته من تصريحات رئيس وأعضاء اللجنة المعنية بالتحضير والإعداد لانعقاد هذا المؤتمر فان الحوار سيكون منفتحاً على كافة الرؤى والأفكار والمواقف ووجهات النظر ومن دون أي تغيب أو تهميش أو تحفظ على أي منها وفي ذلك إشارة واضحة على أن مؤتمر الحوار لن تقيده أي خطوط حمراء وان جميع القضايا ستكون محل بحث ونقاش معمق ومسئول يفضي إلى إيجاد الحلول والمعالجات العادلة لسائر هذه القضايا سواء الموروثة عن الماضي أو الناتجة عن أحداث الأزمة المركبة التي شهدتها اليمن عام 2011م وبما يهيئ إلى مصالحة وطنية تنتقل بالبلاد إلى مرحلة جديدة يتفرغ فيها الجميع لإشاعة قيم الوفاق والوئام والسلم الأهلي وترسيخ عوامل الأمن والاستقرار وبناء الدولة اليمنية الحديثة على قاعدة متينة وصلبة يشعر فيها كل يمني بالاعتزاز بمواطنته وبالانتماء إلى وطنه وانه جزء من هذا الوطن ورقم فاعل في عملية اتخاذ القرار وانه حينما يدافع عن وطنه إنما يدافع عن وجوده ومصيره وحقه في الحياة.
وطالما وان الحوار صار هو الخيار الوحيد والممكن للتعامل مع مجمل الإشكاليات والأحداث التي مر بها اليمن فإن من غير المنطق أن يسعى البعض إلى ربط مشاركته في هذا الحوار بشروط مسبقة ومواقف جاهزة وقناعات محددة إذ كيف يمكن لطرف أو أطراف احتكار الحقيقة أو ادعاء صوابية مواقفها ومطالبها وهي من تتجاهل رؤية الآخر ونظرته والحجة التي يتكئ عليها بل فكيف لطرف أو أطراف أن تجعل من نفسها وصية على قضية تخص 25 مليون يمني وهي التي لا تمتلك تفويضاً من احد يمنحها مشروعية الحديث عن هذه القضية وليس اقتراح الحلول لها .. وهي الحالة التي تنطبق بالفعل على أولئك الذين يرفعون شعار (القضية الجنوبية) ويعملون على المزايدة باسمها في الداخل والخارج ويقومون باستغلال هذه القضية في زرع الأشواك أمام مؤتمر الحوار من أجل إفراغه من دلالاته قبل انعقاده.
وبغض النظر عن حجم الأخطاء التي ارتكبت بحق المحافظات الجنوبية والشرقية وأبنائها وأدت إلى الاحتقان الذي نعيشه اليوم وحجم ومسئولية هذا الطرف أو ذاك في هذا الاحتقان فإن الأشد من كل هذا أن ينبرئ بعض الأشخاص أو الجماعات في اختزال معالجة تلك الأخطاء ضمن عنوان واحد هو (فك الارتباط) وتهديم المعبد على رؤوس ساكنيه وتمزيق هذا البلد إلى كيانات متصارعة تدمر بعضها بعضاً وتحكم على نفسها بالموت حتفاً.
وأمام هذه النتيجة التي يريدها لنا المتاجرين باسم (القضية الجنوبية) ومنظري شعاراتها يغدو من الجلي إن الخطر الأكبر الذي يواجهه اليمن ليس في مجموعة الاحتقانات السياسية والاقتصادية والاجتماعية ولكن في سوء رؤية بعض المحسوبين على هذا الوطن لأنفسهم وتصرفاتهم ومواقفهم وعدم استفادتهم من دروس التاريخ وعبره وإصرارهم على إعادة إنتاج الأزمات وتعكير صف أي خطوة تخرج اليمن من المأزق الراهن.. ولن تخمد هذه النزعات التدميرية إلا من خلال تمثل غايات مؤتمر الحوار من قبل كافة الأطراف السياسية والحزبية وقيامها في هذا المؤتمر بتشخيص الأسباب التي أدت إلى ما نحن فيه اليوم والعمل على وقف ما يؤدي إليه من نزيف مرهق لكل قدراتنا وهو ما يقتضي من تلك المصفوفة الحزبية والسياسية تجاوز حالة التوجس وعدم الثقة التي نجمت عن أحداث العام الماضي والالتفات إلى المستقبل وطي صفحة الماضي بكل آلامها ومتاعبها باعتبار هذه المصفوفة معنية بدرجة أساسية قبل غيرها بحمل المشروع الوطني والحفاظ على ديمومته وحمايته وصيانة مساراته.
وحتى يتسنى لتلك المصفوفة الاضطلاع بهذا الدور فلابد لها أن تسارع إلى التوافق فيما بينها على محددات الحوار وأجندته والياته والسبل الكفيلة بإنجاحه في إطار خطة استراتيجية تسهم في إبحار سفينة مؤتمر الحوار في مناخات صحية وآمنة وأجواء يسودها التفاهم والالتقاء والتقارب والتصالح وهي مهمة وطنية تستحق أن ترقى أمامها كل المواقف وترتفع إلى مستوى التحديات الماثلة ونعتقد أن تحقيق هذه الانتقالية النوعية في علاقات الأطراف الفاعلة على الساحة الوطنية هي من تتطلب أن تسمو هذه الأطراف عن كل الخلافات والمكائد والصغائر وان تتوقف عن البحث عن قياس هذا الطرف أو ذاك فيما نحن فيه من أوضاع غير طبيعية فما نحتاجه اليوم ليس تبرئة هذا الطرف أو تحميل الطرف الآخر وإنما التوقف عن إنكاء الجراحات أو تركها تتعمق و تتسع وتزداد عمقاً والاتجاه نحو حشد الجهود لبناء اليمن الجديد ليس بالكلام بل بالعمل والفعل وترجمة ذلك على ارض الواقع في كل مناحي الحياة.
إن مؤتمر الحوار سيشكل الاختبار الحقيقي للإرادة الوطنية ومساحة الرؤية لديها وقدرتها على ابتداع الآليات والحلول وترتيب الأولويات التي من شأنها إنقاذ الوطن والسير به نحو المستقبل المشرق والمزدهر.. ولن تستطيع المصفوفة السياسية والحزبية تسجيل مثل هذا النجاح لنفسها من دون أن تبادر في هذه اللحظة إلى إنهاء انقساماتها وتوحيد جهودها في مواجهة من يريدون إفشال مؤتمر الحوار وتحطيم المعبد على رؤوسنا جميعاً.
علي ناجي الرعوي
الحوار.. الاختبار الحقيقي للإرادة الوطنية !! 1935