المتفائلون بالقول إن الرئيس اليمني السابق صالح لم يفعلها في عز قوته ويفجر الموقف في اليمن فكيف له أن يفعلها الآن؟..هم من المترددين في استيعاب الحقائق والمواقف والتعامل معها بحنكة وحزم وهم أيضاً من الغارقين حتى آذانهم في مقولة (الغافلين يغطون في سبات عميق وهم لا يعلمون ما يتربص بهم من مخاطر) فأحداث التاريخ اليمني القريب وتفاصيله ودروسه العديدة تحدثنا وتنبؤنا بغير ذلك ولنا في مجريات ونهايات أحداث الرئيس/ سالم ربيع علي (سالمين) والرئيس/ إبراهيم الحمدي العام 1978م ثم الرئيس/ علي ناصر محمد العام 1986م , ما يستوجب التوقف والتأمل عنده ويؤخذ بعين الاعتبار والعبرة بل والفحص والتدقيق لمن أراد الحيطة والحذر وأن يسلك دروب الأمان والسلامة.
تلك الأحداث التاريخية علمتنا أن الوصول إلى حالة اليأس وفقدان الأمل عند أحد الفرقاء من الأطراف السياسية المتصارعة هو السبب الرئيسي, تحديداً الذي يؤدي بها إلى تفجير الموقف دموياً في ساحة الصراع, خاصة إذا كان الحلفاء والشركاء لذلك الطرف هم من المغامرين والمتآمرين وبطانته ومستشاريه من الأفاقين والمنافقين وهذا ما نجد مؤشراته تتضح وتتجسد مؤخراً في المشهد السياسي الراهن الذي يسود في الساحة الوطنية اليمنية بل ويتوفر بشكل قاطع في أحد الأطراف المتنازعة على مستقبل شعب ومصير وطن في سلوك غريب ومتهور يعبر عن السلبية والأنانية المفرطة ونهج متطرف يتسم بالمغامرة والرمي في المجهول والنظرة الضيقة للأمور بل والنية الكامنة بالتربص والغدر بالآخر, وهو في ذلك يتمثل الموقف المجنون لنيرون في حرقه لمدينة ومدنية روما الحضارة والإنسان ويجسد دور المعتوه (شمشون الجبار) في بلاهته عند هدمه المعبد على رؤوس الجميع.
للحق والحقيقة فإننا نجد حالة من الإحباط واليأس متجسدة في شخص الرئيس السابق وسلوكه الحالي في شيء من الغرابة يدعو للتساءل, هذا الزعيم الذي سبق له أن عمل في نهج وسلوك حميد وموقف تاريخي وإنساني نادر وعظيم على تسليم السلطة وتداولها سلمياً وبأسلوب سلس ونموذج يقتدى به ثم نجده يرتد عن كل ذلك لمبررات غريبة متعلقة بالذات المعقدة والنرجسية, هي معروفة لدينا جميعاً في دوافعها المدانة كما أنها مرفوضة أيضا في أهدافها ومآربها الملتوية.
نعم.. الرئيس السابق (صالح) تراجع عن استكمال عمله العظيم ذاك الذي أدخله مجد التاريخ بل إنه عاد وارتد عنه ليدخل هذه المرة مزبلة التاريخ لنجده يتآمر لوأد ذلك المنجز التاريخي العظيم وهو في مرحلة المخاض والولادة الصعبة والمتعسرة محاولاً إفشال عمل رائع هو من بدأه ووضع مداميكه الأولى!؟.
أما عن بطانة الأفاقين والمنافقين التي مازالت مستمرة في غيها وبغيها حتى الآن فظهر ذلك جلياً في عدة شخوص من متناقضي التوجه والمصالح والمآرب, كما أن لكل منهم تطلعاته الخاصة به وعقده الذاتية المزمنة إلا أن ما يجمعهم في بوتقة واحدة هو عدائهم للتغيير وللعهد الجديد وللثورة النهج والقيم وتضررهم منها وأبرزهم الغلمان من الأبناء وفي مقدمتهم (أحمد) النجل الأكبر لصالح وأبناء عمومته (يحي وعمار وطارق ) والأخوة الأشقاء وغير الأشقاء (وما أكثرهم ) ثم يأتي أعضاء الدائرة الضيقة والقريبة لصالح من جماعة المصالح المتبادلة والعميقة من الأهل والأصحاب والمقربين من ذوي الولاءات الوثيقة, والأتراب من أيام الشقاوة والمراهقة وكذا الرفاق القدامى وزملاء النشأة والجريمة من صحبة الماضي سيء الصيت ولا غير, ثم شيوخ وتجار الطفرة العفاشية وجميعهم يشكلون له عوامل وبيئة القوة وقنوات وموارد جمع المال الحرام..
وبعد كل أولئك الجهابذة الكثر والجماعات المتعددة من المقربين وأفراد العائلة الحاكمة – سابقاً ولاحقاً- يأتي في نهاية الطابور والمطاف المعاونون والمساعدون من مدنيين وعسكريين (في آخر الصف والمصاف) أمثال سيء السمعة والصيت الشيخ البركاني وقرينه الشبيه الجندي والطيب والعوبلي ومقولة وغيرهم كثير.
أما عن الحلفاء الداعمين من المغامرين والمتآمرين فهم عديدون ولكل منهم أجندته الخاصة وأفقه ومساره السياسي المختلف عن الآخر بل والمتناقض معه في أحيان كثيرة ولكن تجمعهم مصلحتهم الآنية المشتركة في إحباط الثورة وإفشالها وهذا الوصف يمكن قوله عن الشركاء القدامى والجدد أيضا, بل إننا نجده متجسداً في جل جماعة الحوثي وبعض أطراف الحراك الجنوبي ممثلا بالفصيل الصدامي الذي ينحو منحى التطرف والعنف ويدعو للانفصال تحت مسمى (فك الارتباط) ثم في التنظيم الإرهابي الهجين (صنيعة دار الرئاسة اليمني في عهده القديم ) وخلاياه النائمة حالياً في المناطق اليمنية كافة والموسوم بالقاعدة خداع وتضليل..
ثم تأتي ربيبتهم الحاضنة والقائدة إيران التي توفر العمق الإقليمي المساند والدعم المالي والعسكري المخرب وإبراز الحافز المعنوي والسياسي ممثلاً في نموذج القطر السوري وغيره من أمثلة ونماذج السوء والدمار.
ولنا أن نذكر القاري اللبيب والمتابع الحصيف بأن صالح قد هدد وتوعد في مقال له في صحيفة اليمن اليوم(يوم الثلاثاء الموافق 23/اكتوبر/2012م ) بالعودة إلى مربع الفوضى والعنف!؟ وفي مقال آخر في صحيفة الديار الأسبوعية الصادرة السبت 20 أكتوبر2012م كتبت الإعلامية المتميزة/ منى صفوان (التي تعمل في قناة الميادين الممولة من إيران ) تؤكد أن الحوثي يتمدد في صنعاء وإن حربه السابعة ستنطلق منها؟ ثم نجد الكاتب والثائر/ منير الماوري ـ في منشور له على حائطه في شبكة التواصل الاجتماعي (الفيسبوك)ـ يحذر من تربص الحوثي بصنعاء وأهلها؟ ثم إن وجود الموفد الدولي/ جمال بن عمر في صنعاء في هذه الأيام المباركة وبقائه فيها بل وإعلانه منها عن قضاء إجازته لعيد الأضحى المبارك هنا في اليمن المضطرب مؤشر إضافي له دلالته الوجيهة!؟ بينما وزير الدفاع اليمني (خط المواجهة الأول للجريمة والمؤامرة) ماكث في عدن على غير العادة ويعمل هناك في مثابرة ملحوظة في إيحاء ضمني بأن الخطر قادم من عدن عاصمة جنوب الوطن وليس من صنعاء قلب اليمن؟ فكيف لنا أن نقرأ هذه المعطيات الجلية البعيدة عن الغموض والاستعصاء؟ ونستوعب حل هذا اللغز الجاثم على أرضنا وأفئدتنا ؟ أقصد هنا أن هذه المؤشرات المتداخلة وتشتتها لا تعني مطلقاً أن نطمئن ونذهب إلى فراشنا آمنيين, بل على العكس من ذلك تماماً, فإنها تدل على أن المؤامرة كبيرة ونطاقها أوسع وأن هذه المعطيات تستدعي الحيطة والحذر لا الاستكانة والخمول!.
لسنا من دعاة القلق أو أنه تستهوينا إشعال الحرائق و الحروب ثم الفرجة عليها, لسنا تجار وعشاق حروب كبعضهم بل نحن من أكثر الناس معاناة من ويلاتها ومن اكتوى بنيرانها, لذلك نحرص على الدعوة لإطفاء الحرائق وتجنب الحروب بالتحذير من اسبابها والوقاية المبكرة من أعراضها.. نريد أن يطمئن الجميع عن حق وحقائق لا ذر الرماد في العيون لأن الأمر جد جلل وفي غاية التعقيد والخطورة, فالحوثي يعد العدة للانقضاض على رفاق هم من شركاء الدرب الثائر إلا أننا لا نريد له أن يغامر وصالح في مقاله الأخير يائس وفاقد للأمل إلى درجة القنوط فنجده يدعوا للعودة لمربع العنف والجنون ومنى صفوان على غير عادتها تؤكد نضوج العوامل لإسقاط صنعاء العاصمة وهذا العمل لو تم التخطيط له فعلا ودبر بليل فلا بد له أن يتم وينفذ الآن قبل بدء مؤتمر الحوار الوطني الشامل لوأده وحرفه عن مساره وإفشاله من تحقيق أهدافه الوطنية النبيلة والمرجوة , وهنا لا بد من الحيطة واليقظة وأن ينبري الإعلاميين والخيريين كافة في هذا الوطن المعطاء للدفاع عن مصالحهم في الأمن والحرية والازدهار والاستقرار من خلال قيادة ونشر حملة إعلامية بل ووطنية شاملة تدعوا لدر الفتنة والتحذير منها وعواقبها الوخيمة قبل وقوعها .. لابد لنا جميعا في منظمات المجتمع المدني كافة (بل والغيورين جميعا من الأطراف المصطفة والمتقابلة في مواجهة بعضها البعض في توجس وريبة غير مبررة ) من التحرك عاجلا سياسيا واجتماعيا وفي الميادين كافة للتنبيه والتحذير من بوادر لفتنة قادمة وتعليق جرس الإنذار في رقبة القط المغامر المتوجس ريبة وشكا والمتربص خوفا ووجلا وان نقول له كفى بل وندعوه للرحيل فورا من مربع العنف والدمار لإحلال الوفاق والسلام حبا في اليمن وأهلها ..علينا جميعا أن نرفع صوتنا عاليا محذرين من المخاطر الوشيكة الوقوع لعل وعسى أن يصلهم صوتنا فيكفوا عن السير في طريق التشرذم والتشظي والانقسام ولنقضي هذه الايام المباركة في أمن واستقرار وسلام وتطيب لن إجازة العيد السعيد.. وكل عام والجميع في امن واستقرار وخير وسعادة دائمة إنشاء الله .
هوامش عن نيرون الطاغية :
المتتبع لتاريخ روما يدرك أن الحكم الإمبراطوري كان ينتقل في الغالب بالدس والمكيدة وقتل الإمبراطور حتى يصل عرش الحكم لغيره, وبالنسبة لنيرون فكانت نهايته لا تختلف كثيرا عن غيره ممن سبقوه. فبعد المذابح والحرائق التي أشعل بها روما, انصرف إلى اليونان ليمارس هوايته في الغناء والرقص والتمثيل, وفي هذه الأثناء قامت ثوره في بلاد الغال على يد أحد نبلاء فرنسا ويدعى "فيندكس" ومع تزايد وتيرة الثورة وانحسار وهزيمة "نيرون" وفشله في إدارة الأزمة انصرف عنه أصدقاؤه وحاشيته ولم يجد بدا من أن يهرب من قصره إلى كوخ بعيد لأحد أتباعه الذين بقوا معه. وهناك كان يبكي كثيرا على ما وصل إليه حاله وتذكر أمه ومستشاريه وقال إنهم هم من جلبوا عليه اللعنة والعار وظل مختبئا حتى شعر بأصوات سنابك الجنود تحوم حول المكان فما كان منه إلا أنه قرر أن يقتل نفسه, قتل نفسه الطاغية الذي أرهق روما بمجونه وجنونه.
هل أحرق نيرون روما حقاً؟ الإجابة لا.. بل إن نيرون مات منتحراً وهو يلعن مستشاريه وبطانة السوء التي دفعته لذلك الفعل المشين.. و لم تمت روما أبدا بل ظلت بعينيها تقاتل, وفي مقولة لمارك توين عن الحقيقة الغائبة (لو كان الموتى ينطقون لما امتلأت كتب التاريخ بالأكاذيب السخيفة).
قصيدة من ديوان أوراق الزيتون "
وضعوا على فمه السلاسلْ
ربطوا يديه بصخرة الموتى،
وقالوا: أنت قاتلْ
أخذوا طعامَهُ، والملابسَ، والبيارقْ
ورموه في زنزانة الموتى،
وقالوا : أنت سارقْ!
طردوه من كل المرافئْ
أخذوا حبيبته الصغيرة،
ثم قالوا: أنت لاجئْ!
يا دامي العينين، والكفين!
إن الليل زائلْ
لا غرفةُ التوقيف باقيةٌ
ولا زَرَدُ السلاسلْ!
نيرون مات، ولم تمت روما…
بعينيها تقاتلْ!
وحبوبُ سنبلةٍ تموت
طارق مصطفى سلام
هل لليمن نيرون يحرقها !؟ 2254